للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جثته] (a) بالنسبة إلى رأسه أن يكون طوله سبعين ذراعا فصاعدا، وفي وجهه حمرة ودهان يلمع عليه رونق الطّراوة، وهو حسن الصّورة مقبولها، عليه مسحة بهاء وجمال، كأنّه يضحك تبسّما.

وسئل بعض الفضلاء عن عجيب ما رأى فقال: تناسب وجه أبي الهول، فإنّ أعضاء وجهه - كالأنف والعين والأذن - متناسبة كما تصنع الطّبيعة الصّور متناسبة، فإنّ أنف الطّفل مثلا مناسب له، وهو حسن به، حتى لو كان ذلك الأنف لرجل كان مشوّها. وكذلك أنف الرّجل لو كان لصبي لتشوّهت صورته. وعلى هذا سائر الأعضاء، فكلّ عضو ينبغي أن يكون على مقدار ماهيته بالقياس إلى تلك الصّورة، وعلى نسبتها. والعجب من مصوّره، كيف قدر أن يحفظ التّناسب للأعضاء مع عظمها. وأنّه ليس في أعمال الطّبيعة ما يحاكيه (١).

ويقابله في برّ مصر، قريبا من دار الملك، صنم عظيم الخلقة والهيئة، متناسب الأعضاء كما وصف، وفي حجره مولود وعلى رأسه ماجور، الجميع صوّان مانع. يزعم الناس أنّه امرأة، وأنّها سريّة أبي الهول المذكور، وهي بدرب منسوب إليها. ويقال لو وضع على رأس أبي الهول خيط ومدّ إلى سريّته لكان على رأسها مستقيما. ويقال إنّ أبا الهول طلّسم الرّمل يمنعه عن/ النّيل، وإنّ السّريّة طلّسم الماء يمنعه عن مصر (٢).

وقال ابن المتوّج: زقاق الصّنم هو الزّقاق الشّارع، أوّله بأوّل السّوق الكبير، بجوار درب عمّار، ويعرف الصّنم بسريّة فرعون. وذكر أنّه طلّسم النّيل لئلا يغلب على البلد. وقيل إنّ بلهيب الذي عند الأهرام يقابله، وإنّ ظهر بلهيب إلى الرّمل، وظهر هذا إلى النّيل، وكلّ منهما مستقبل المشرق.

وقد نزل في سنة إحدى عشرة وسبع مائة أمير يعرف ببلاط، في نفر من الحجّارين والقطّاعين، وكسروا الصّنم المعروف بالسّريّة، وقطعوه أعتابا وقواعد، ظنّا أن يكون تحته مال، فلم يوجد سوى أعتاب من حجر عظيمة، فحفر تحتها إلى الماء فلم يوجد شيء وجعل من حجره قواعد تحتانية للعمد الصّوّان التي بالجامع المستجدّ بظاهر مصر، المعروف بالجامع الجديد النّاصريّ (٣)،


(a) زيادة من الإفادة والاعتبار.
(١) عبد اللطيف البغدادي: الإفادة والاعتبار ٤٩ - ٥٠؛ الإدريسي: أنوار علوي الأجرام ١٥٠.
(٢) انظر فيما يلي ١٧٧: ٢.
(٣) انظر فيما يلي ٣٠٤: ٢.