للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الباب المحروق]

كان يعرف أوّلا (a) بباب القرّاطين، فلمّا زالت دولة بني أيّوب، واستقلّ بالملك الملك المعزّ عزّ الدّين أيبك التّركماني - أوّل من ملك من المماليك بسلطنة الديار المصرية (b) في سنة خمسين وستّ مائة - كان حينئذ أكبر الأمراء البحرية - مماليك الملك الصّالح نجم الدين أيّوب - الفارس أقطاي الجمدار، وقد استفحل أمره، وكثرت أتباعه، ونافس المعزّ أيبك، وتزوّج بابنة الملك المظفّر صاحب حماة، وبعث إلى المعزّ بأن ينزل من قلعة الجبل ويخليها له حتى يسكنها بامرأته المذكورة.

فقلق المعزّ منه، وأهمّه شأنه، وأخذ يدبّر عليه، فقرّر مع عدّة من مماليكه أن يقفوا بموضع من القلعة عيّنه لهم، وإذا جاء الفارس أقطاي فتكوا به، وأرسل إليه وقت القائلة يستدعيه ليشاوره في أمر مهمّ. فركب في قائلة يوم الاثنين حادي عشرين (c) شعبان سنة اثنتين وخمسين وستّ مائة في نفر من مماليكه، وهو آمن مطمئن بما صار له في الأنفس من الحرمة والمهابة، وبما يثق به من شجاعته. فلمّا صار بقلعة الجبل وانتهى إلى باب (d) قاعة العواميد (١)، عوّق من معه من المماليك عن الدّخول معه، ووثب به المماليك الذين أعدّهم المعزّ، وتناولوه بالسّيوف فهلك لوقته، وغلّقت أبواب القلعة وانتشر الصّوت بقتله في البلد.

فركب أصحابه وخشداشيته (٢) - وهم نحو السبع مائة فارس - إلى تحت القلعة، وفي ظنّهم أنّ الفارس أقطاي لم يقتل، وإنّما قبض عليه السّلطان، وأنّهم يقاتلونه حتى يطلقه لهم، فلم يشعروا إلاّ برأس الفارس أقطاي وقد ألقيت عليهم من القلعة، فانفضّوا لوقتهم، وتواعدوا على الخروج من


(a) بولاق: قديما.
(b) بولاق: بمملكة مصر.
(c) بولاق: حادي عشر.
(d) ساقطة من بولاق.
(١) قاعة العواميد (الأعمدة) - إحدى قاعات القلعة المخصصة لحاجات السلطان المنزلية وهي القاعة الكبرى، وكانت برسم خوند الكبرى. ويرجع أقدم ذكر لها إلى زمن السلطانة شجر الدّرّ، وقد أعاد بناءها الناصر محمد بن قلاوون (ابن إياس: بدائع الزهور ٢٨٦: ١/ ١؛ أبو المحاسن: النجوم ١٤٥: ١٢؛ ابن شاهين الظاهري: زبدة كشف الممالك ٢٦ - ٢٧؛ Behrens-Abouseif D.، «The Citadel of Cairo: Stage for Mamluk (Ceremonial» An.Isl.XXIV (١٩٨٨)، pp. ٥٢ - ٥٤.
(٢) خشداش - خشداشية ويكتب أحيانا خوشداش: معرب اللفظ الفارسي خوجاتاش أي الزميل في الخدمة. وفي مصطلح العصر المماليكي في مصر يعني الأمراء الذين نشأوا مماليك عند سيد واحد فنبتت بينهم رابطة الزمالة القديمة (المقريزي: السلوك ٣٨٨: ١ - ٣٨٩ هـ ٣).