للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليّ بن الطّبّاخ (١)

نشأ بمصر، وخدم الملك النّاصر محمد بن قلاوون وهو بمدينة الكرك. فلمّا قدم إلى مصر جعله «إخوان سلار» (a)، وسلّمه المطبخ السّلطاني، فكثر ماله لطول مدّته وكثرة تمكّنه، ولم يتّفق لأحد من نظرائه ما اتّفق له من السّعادة الطائلة، وذلك أنّ الأفراح وما كان يصنع من المهمّات والأعراس ونحوها، ممّا كان يعمل في الدّور السّلطانية وعند الأمراء والمماليك والحواشي، مع كثرة ذلك في طول تلك الأعوام، كانت كلّها إنّما يتولّى أمرها هو بمفرده.

فممّا اتّفق له في عمل مهمّ ابن بكتمر السّاقي، على ابنة الأمير تنكز نائب الشّام، أنّ السّلطان الملك النّاصر استدعاه آخر النّهار الذي عمل فيه المهمّ المذكور، وقال له: يا حاج عليّ اعمل لي السّاعة لونا من طعام الفلاّحين، وهو خروف رميس يكون ملهوج. فولّى وجهه وهو معبس (b)، فصاح به السّلطان: والك ما لك معبس الوجه؟! فقال: كيف ما أعبس وقد أحرمتني السّاعة عشرين ألف درهم نقرة! فقال: كيف حرمتك؟ قال: قد تجمّع عندي رءوس غنم وبقر وأكارع وكروش وأعضاد وسقط دجاج وإوزّ، وغير ذلك ممّا سرقته من المهمّ، وأريد أقعد أبيعه (c)، وقد قلت لي اطبخ، وبينا أفرغ من الطّبيخ تلف الجميع.

فتبسّم السّلطان وقال: رح اطبخ وضمان الذي ذكرت عليّ.

وأمر بطلب (d) والي القاهرة ومصر، فلمّا حضرا ألزمهما بطلب أرباب الزّفر إلى القلعة، وتفرقة ما ناب الطّبّاخ من المهمّ عليهم واستخراج ثمنه. فللحال حضر المذكورون، وبيع عليهم ذلك، فبلغ ثمنه ثلاثة وعشرين ألف درهم نقرة، (e)) عنها ما ينيف عن ألف مثقال ذهبا (e). وهذا مهمّ واحد من ألوف، مع الذي كان له من المعاليم والجرايات ومنافع المطبخ.


(a) بولاق: خوان سلار.
(b) بولاق: فولّى ووجهه معبس.
(c) بولاق: وأبيعه.
(d) بولاق: بإحضار.
(e-e) إضافة من المسوّدة.
(١) الحاج علي بن الطّبّاخ المعروف بإخوان سلار، وصوابه «الخوان سلار»، وهو لقب مختصّ بكبير رجال المطبخ السّلطاني، القائم مقام المهتار في غير المطبخ من البيوت مثل: الشّراب خاناه والطّست خاناه. وهو مركّب من لفظين: خوان، وهو الذي يؤكل عليه وهو معرّب، والثاني سلار - وهي فارسية - معناها المقدّم، فيكون معناه: مقدّم الخوان. وذكر القلقشندي أنّ العامّة تقول: «إخوان سلار» بألف في أوّله وهو لحن. (القلقشندي: صبح الأعشى ٤٧١: ٥).