هذا الجامع كان يعرف موضعه ببركة الفول من جملة أرض الطّبّالة، فلمّا عمّرت بركة الرّطلي، كما تقدّم ذكره (١)، أنشئ هذا الجامع. وكان ضيّقا قصير السّقف، وفيه قبّة تحتها قبر يزار، وهو قبر الشّيخ خليل بن عبد ربّه، خادم الشّيخ عبد العال،/ وتوفي في المحرّم سنة اثنتين وأربعين وسبع مائة (٢). فلمّا سكن الوزير الصّاحب سعد الدّين إبراهيم بن بركة البشيري (٣) بجوار ها الجامع، هدمه ووسّع فيه وبناه هذا البناء في سنة أربع عشر وثمان مائة.
وولد البشيري في سابع ذي القعدة سنة ستّ وستين وسبع مائة، وتنقّل في الخدم الدّيوانية حتى ولي نظر الدّولة إلى أن قتل الأمير جمال الدّين يوسف الأستادّار، فاستقرّ بعده في الوزارة بسفارة فتح الدّين فتح اللّه كاتب السّرّ، في يوم الثلاثاء رابع عشر جمادى الأولى سنة اثنتي عشرة وثمان مائة؛ فباشر الوزارة بضبط جيّد لمعرفته الحساب والكتابة، إلاّ أنّها كانت أيّام محن احتاج فيها إلى وضع يده وأخذ الأموال بأنواع الظّلم. فلمّا قتل الملك النّاصر فرج، واستبدّ الملك المؤيّد شيخ، صرفه عن الوزارة في يوم الخميس خامس جمادى الأولى سنة ستّ عشرة وثمان مائة، (a)) وولّي موضعه تاج الدّين عبد الرّزّاق بن الهيصم وصادره حتى احتاج إلى مسألة النّاس، فأعانه كثير من النّاس. وما زال في منزله منقطعا حتى مات من مرض طويل في يوم الأربعاء رابع عشر صفر سنة ثمان عشرة وثمان مائة (a)، ودفن بالقرافة.
وهذا الجامع عامر بعمارة ما حوله.
(a-a) هذه العبارة ساقطة من بولاق. (١) فيما تقدم ٥٤٠: ٣ - ٥٤١. (٢) كان الجامع موجودا حتى نهاية القرن التاسع عشر، وسمّاه علي باشا مبارك «جامع الحريشي»، وذكر أنّه كان يقع في بركة الرّطلي بين دار الأمير سليم باشا السّلحدار ودار الأمير حسين باشا الخازندار. (الخطط التوفيقية ٢٦٤: ٣ (٧٢)، ١٧٢: ٤ (٨٢)). وربّما كان هذا الجامع هو نفسه الجامع الذي جدّده القاضي علم الدّين شاكر بن الجيعان متولّي ديوان الجيش، المتوفى سنة ٨٨٢ هـ/ ١٤٧٧ م، بالقرب من بركة الرّطلي؟ (ابن إياس: بدائع الزهور ١٣٣: ٣). (٣) راجع ترجمة الوزير سعد الدّين البشيري، وكان معدودا من رؤساء الأقباط، كذلك عند، المقريزي: السلوك ٣٣٩: ٤؛ أبي المحاسن: النجوم الزاهرة ١٣٧: ١٤، المنهل الصافي ٦٠: ١؛ السخاوي: الضوء اللامع ٣٣: ١.