تكن عادة الحجّاب فيما تقدّم أن يحكموا في الأمور الشّرعيّة.
وكان سبب ذلك وقوف تجّار العجم للسّلطان بدار العدل في أثناء سنة ثلاث وخمسين وسبع مائة، وذكروا أنّهم ما خرجوا من بلادهم إلاّ لكثرة ما ظلمهم التّتار وجاروا عليهم، وأنّ التّجّار بالقاهرة اشتروا منهم عدّة بضائع وأكلوا أثمانها، ثم هم يثبتون على يد القاضي الحنفي إعسارهم وهم في سجنه، وقد أفلس بعضهم. فرسم للأمير جرجي بإخراج غرمائهم من السّجن، وخلاص ما في قبلهم للتجّار، وأنكر على قاضي القضاة جمال الدّين عبد اللّه التّركماني الحنفي ما عمله، ومنع من التّحدّث في أمر التّجّار والمدينين. فأخرج جرجي غرماء التّجّار من السّجن وعاقبهم، حتى أخذ للتّجّار ما لهم عندهم (a) شيئا بعد شيء. وتمكّن الحجّاب من حينئذ من التّحكّم على النّاس بما شاءوا.
[أمير جاندار]
موضوع أمير جاندار (١) التّسلّم لباب السّلطان، وله به (b) البرددارية (٢)، وطوائف الرّكابية، والخراسانية، (c) والجاندارية. وهو الذي يقدّم البريد إذا قدم مع الدّوادار وكاتب السّرّ، وإذا أراد السّلطان تقرير أحد من الأمراء على شيء أو قتله بذنب كان ذلك على يد أمير جاندار. وهو أيضا المتسلّم للزّردخاناه، وكانت أرفع السّجون قدرا ومن اعتقل بها لا تطول مدّته بها، بل يقتل أو يخلّى سبيله؛ وهو الذي يدور بالزّفّة حول السّلطان في سفره مساء وصباحا (٣).
(a) بولاق: أموالهم منهم. (b) بولاق: ولرتبة. (c) بولاق: الحرامانية. (١) أمير جاندار. اسم يتألّف من ثلاث كلمات: «أمير» العربية، و «جان» الفارسية والتركية ومعناها الروح، و «دار» الفارسية ومعناها ممسك؛ فيكون المعنى الكلّي «الأمير الممسك للرّوح»، قال القلقشندي: «ولم يظهر لي وجه ذلك إلاّ أن يكون المراد أنّه الحافظ لدم السّلطان فلا يأذن عليه إلاّ لمن يأمن عاقبته». (صبح الأعشى ٤٦١: ٥). وانظر كذلك عن الوظائف التي استجدّها الظّاهر بيبرس وهي: إمرة سلاح - أمير مجلس - رأس نوبة - أمير آخور - أمير جاندار - نقابة الجيوش - أمير علم - الولاية - الحسبة، ابن إياس: بدائع الزهور ٣٢٣: ١/ ١ - ٣٢٤. (٢) البردداريّة وواحدها برددار. هو الذي يكون في خدمة مباشري الدّيوان في الجملة متحدّثا على أعوانه والمتصرّفين فيه. وأصله «فرددار» بفاء في أوّله، وهو مركّب من لفظين فارسيين أحدهما «فردا» ومعناه السّتارة، والثاني «الدّار» ومعناه ممسك، والمراد ممسك السّتارة. (القلقشندي: صبح الأعشى ٤٦٨: ٥ - ٤٦٩). (٣) ابن فضل اللّه العمري: مسالك الأبصار ٥٧؛ القلقشندي: صبح الأعشى ٢٠: ٤؛ السيوطي: حسن -