اشتراه الملك المنصور قلاوون صغيرا، ورقّاه في الخدم السّلطانية إلى أن جعله أحد الأمراء، وأقامة جاشنكيرا، وعرف بالشّجاعة. فلمّا مات الملك المنصور، خدم ابنه الملك الأشرف خليلا إلى أن قتله الأمير بيدرا بناحية ترّوجة. فكان أوّل من ركب على بيدرا في طلب ثأر الملك الأشرف، وكان مهابا بين خشداشيته، فركبوا معه، وكان من نصرتهم على بيدرا وقتله ما قد ذكر في موضعه. فاشتهر ذكره، وصار أستادّار السّلطان في أيّام الملك الناصر محمد بن قلاوون في سلطنته الثانية، رفيقا للأمير سلار نائب السّلطنة، وبه قويت الطائفة البرجيّة من المماليك، واشتدّ بأسهم، وصار الملك الناصر تحت حجر بيبرس وسلار إلى أن أنف من ذلك، وصار إلى الكرك.
فأقيم بيبرس في السّلطنة يوم السبت ثالث عشرين شوّال سنة ثمان وسبع مائة؛ فاستضعف جانبه، وانحطّ قدره، ونقصت مهابته، وتغلّب عليه الأمراء والمماليك، واضطّربت أمور المملكة لمكان الأمير سلار، وكثرة حاشيته، وميل القلوب إلى الملك الناصر.
وفي أيّامه عمل الجسر من قليوب إلى مدينة دمياط، وهو مسيرة يومين طولا في عرض أربع قصبات من أعلاه وستّ قصبات من أسفله، حتى إنه كان يسير عليه ستّة من الفرسان معا بحذاء بعضهم بعضا (a). وأبطل سائر الخمّارات من السّواحل وغيرها من بلاد الشّام، وسامح بما كان من المقرّر عليها للسّلطان، وعوّض الأجناد بدله، وكبست أماكن الرّيب والفواحش بالقاهرة ومصر، وأريقت الخمور، وضرب أناس كثير في ذلك بالمقارع، وتتبّع أماكن الفساد، وبالغ في إزالته، ولم يراع في ذلك أحدا من الكتّاب ولا من الأمراء. فخفّ المنكر، وخفي الفساد. إلاّ أنّ اللّه أراد
(a) ساقطة من بولاق. (١) راجع ترجمة المظفّر بيبرس الجاشنكير، عند الصفدي: أعيان العصر ٧١: ٢ - ٧٥، الوافي بالوفيات ٣٤٨: ١٠ - ٣٥٠؛ مجهول: تاريخ سلاطين المماليك ١٣٧ - ١٤٥؛ بيبرس الدوادار: زبدة الفكرة ٤٠٦ - ٤١٧؛ النويري: نهاية الأرب ١٣٩: ٣٢ - ١٤٧؛ ابن أيبك: كنز الدرر ١٥٦: ٩ - ١٨٩؛ ابن حبيب: تذكرة النبيه ٢٨٧: ١ - ٢٩١، ١٧: ٢ - ١٨؛ المقريزي: السلوك ٤٥: ٢ - ٧١؛ المقفى الكبير ٥٣٤: ٢ - ٥٥٥؛ ابن حجر: الدرر الكامنة ٣٦: ٢ - ٤٠؛ أبي المحاسن: النجوم الزاهرة ٢٣٢: ٨ - ٢٧٧؛ المنهل الصافي ٤٦٧: ٣ - ٤٧٣؛ ابن إياس: بدائع الزهور ٤٢٣: ١/ ١ - ٤٣١؛. Wiet، G.، El ٢ art.Baybars II I، p. ١١٦٠