وكان لهم بأوّل العام عناية كبيرة، فيه يركب الخليفة بزيّه المفخّم وهيئته العظيمة كما تقدّم، ويفرّق فيه دنانير الغرّة التي مرّ ذكرها عند ذكر دار الضّرب، ويفرّق من السّماط الذي يعمل بالقصر لأعيان أرباب الخدم من أرباب السّيوف والأقلام، بتقرير مرتّب: خرفان شواء، وزبادي طعام، وجامات حلواء وخبز، وقطع منفوخة من سكّر، وأرز بلبن وسكّر. فيتناول النّاس من ذلك ما يجلّ وصفه، ويتبسّطون بما يصل إليهم من دنانير الغرّة من رسوم الرّكوب كما شرح فيما تقدّم (١).
[يوم عاشوراء]
كانوا يتّخذونه يوم حزن تتعطّل فيه الأسواق، ويعمل فيه السّماط العظيم المسمّى «سماط الحزن». وقد ذكر عند ذكر المشهد الحسيني فانظره. وكان يصل إلى النّاس منه شيء كثير (٢).
فلمّا زالت الدّولة، اتّخذ الملوك من بني أيّوب يوم عاشوراء يوم سرور، يوسّعون فيه على عيالهم، ويتبسّطون في المطاعم، ويصنعون الحلاوات، ويتّخذون الأواني الجديدة، ويكتحلون ويدخلون الحمّام، جريا على عادة أهل الشّام التي سنّها لهم الحجّاج في أيام عبد الملك بن مروان، ليرغموا بذلك آناف شيعة عليّ بن أبي طالب - كرّم اللّه وجهه - الذين يتّخذون يوم عاشوراء يوم عزاء وحزن فيه على الحسين بن عليّ؛ لأنّه قتل فيه. وقد أدركنا بقايا ممّا عمله بنو أيّوب من اتّخاذ يوم عاشوراء يوم سرور وتبسّط. وكلا الفعلين غير جيّد، والصّواب ترك ذلك والاقتداء بفعل السّلف فقط (٣).
وما أحسن قول أبي الحسين الجزّار الشّاعر (٤) يخاطب الشّريف شهاب الدّين ناظر الأهراء، وكتب بها إليه ليلة عاشوراء عند ما أخّر عنه ما كان من جاريه في الأهراء:
[الرجز]
قل لشهاب الدّين ذي الفضل النّدي … والسّيّد بن السّيّد بن السّيّد
(١) فيما تقدم ٤٦١ - ٤٧٧. (٢) فيما تقدم ٤١٧ - ٤٢١. (٣) راجع عن احتفال عاشوراء وصومه عند أهل السنة El ٢ art.Ashura I، p. (٤) أبو الحسين يحيى بن عبد العظيم الجزار (ابن سعيد: المغرب (قسم مصر) ٢٩٦ - ٣٤٨؛ ابن شاكر: فوات الوفيات ٢٧٧: ٤ - ٢٩٣).