للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النّساء والصّبيان وفي عنق عليّ بن الحسين ويديه الغل، وحملوا على الأقتاب.

فدخل بعض بني أميّة على يزيد، فقال: أبشر يا أمير المؤمنين، فقد أمكنك اللّه من عدوّ اللّه وعدوّك، قد قتل ووجّه برأسه إليك. فلم يلبث إلاّ أيّاما حتى جيء برأس الحسين، فوضع بين يدي يزيد في طشت، فأمر الغلام فرفع الثّوب الذي كان عليه، فحين رآه خمّر وجهه بكمّه كأنّه يشمّ منه رائحة، وقال: الحمد للّه الذي كفانا المؤنة بغير مؤنة ﴿كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اَللّهُ﴾ [الآية ٦٤ سورة المائدة].

قالت ريّا حاضنة يزيد: فدنوت منه فنظرت إليه وبه ردغ من حنّاء. والذي أذهب نفسه، وهو قادر على أن يغفر له، لقد رأيته يقرع ثناياه بقضيب في يده، ويقول أبياتا من شعر ابن الزّبعري.

ومكث الرأس مصلوبا بدمشق ثلاثة أيام ثم أنزل في خزائن السّلاح حتى ولي سليمان بن عبد الملك الملك فبعث إليه، فجيء به وقد نحل وبقي عظما أبيض، فجعله في سفط وطيّبه، وجعل عليه ثوبا، ودفنه في مقابر المسلمين. فلمّا ولي عمر بن عبد العزيز، بعث إلى خازن بيت السّلاح: أن وجّه إليّ برأس الحسين بن عليّ، فكتب إليه أنّ سليمان أخذه وجعله في سفط، وصلّى عليه ودفنه. فلمّا دخلت المسوّدة سألوا عن موضع الرأس (a)، فنبشوه وأخذوه. واللّه أعلم ما صنع به.

وقال السّندي (b): لمّا قتل الحسين بن عليّ بكت السّماء عليه، وبكاؤها حمرتها. وعن عطاء في قوله تعالى: ﴿فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ اَلسَّماءُ وَاَلْأَرْضُ﴾ [الآية ٢٩ سورة الدخان] قال: بكاؤها حمرة أطرافها. وعن عليّ بن مسهر، قال: حدّثتني جدّتي قالت: كنت أيّام الحسين جارية شابّة، فكانت السّماء أيّاما كأنّها علقة. وعن الزّهري: بلغني أنّه لم يقلب حجر من أحجار بيت المقدس يوم قتل الحسين إلاّ وجد تحته دم عبيط.

ويقال إنّ الدّنيا أظلمت يوم قتل ثلاثا، ولم يمسّ أحد من زعفرانهم شيئا فجعله على وجهه إلاّ احترق. وأنّهم أصابوا إبلا في عسكر الحسين يوم قتل، فنحروها وطبخوها فصارت مثل العلقم، فما استطاعوا أن يسيغوا منها شيئا. وروي أنّ السّماء أمطرت دما، فأصبح كلّ شيء لهم ملآن دما.

ما كان يعمل في يوم عاشوراء - (c)

أوّل من تظاهر بالحزن في يوم عاشوراء من الملوك معزّ الدّولة أحمد بن بويه، وذلك أنّه أمر في عاشر المحرّم من سنة اثنتين وخمسين وثلاث مائة أن يغلق النّاس


(a) بولاق: الرأس الكريمة الشريفة.
(b) بولاق وليدن: السري.
(c) (c-c) هذه الفقرة ساقطة من بولاق وليدن.