ببغداد الحوانيت ويظهروا النّياحة وتخرج النّساء منتشرات الشعور مسوّدات الوجوه وقد شققن ثيابهنّ وهنّ يلطمن وينحن على الحسين، ففعل النّاس ذلك وما قدر أحد على إنكاره. ومن حينئذ تناقل الناس هذا الفعل وعمل بمصر (c).
قال ابن زولاق في كتاب:«سيرة المعزّ لدين اللّه»: في يوم عاشوراء سنة ثلاث وستين وثلاث مائة، انصرف خلق من الشّيعة وأشياعهم إلى المشهدين قبر كلثم (a) ونفيسة، ومعهم جماعة من فرسان المغاربة ورجالهم بالنّياحة والبكاء على الحسين ﵇ وكسروا أواني السّقّائين في الأسواق، وشقّقوا الرّوايا، وسبّوا من ينفق في هذا/ اليوم، ونزلوا حتى بلغوا مسجد الرّيح، وثارت عليهم جماعة من رعيّة أسفل. فخرج أبو محمد الحسين بن عمّار - وكان يسكن هناك في دار محمّد بن أبي بكر - وأغلق الدّرب ومنع الفريقين، ورجع الجميع، فحسن موقع ذلك عند المعزّ.
ولولا ذلك لعظمت الفتنة؛ لأنّ النّاس قد غلّقوا الدّكاكين وأبواب الدور، وعطّلوا الأسواق (١).
وإنّما قويت أنفس الشّيعة بكون المعزّ بمصر، وقد كانت مصر لا تخلو (b) في أيام الإخشيدية والكافورية من الفتن (c) في يوم عاشوراء عند قبر كلثم (a) وقبر نفيسة. وكان سودان كافور (d) يتعصّبون على الشّيعة، ويتعلّق السّودان في الطّرقات (e) بالنّاس ويقولون للرجل: من خالك؟ فإن قال معاوية أكرموه، وإن سكت لقي المكروه، وأخذت ثيابه وما معه - حتى كان كافور قد وكّل بالصّحراء، ومنع النّاس من الخروج (٢).
وقال المسبّحيّ: وفي يوم عاشوراء - يعني من سنة ستّ وتسعين وثلاث مائة - جرى الأمر فيه على ما يجري كلّ سنة من تعطيل الأسواق وخروج المنشدين إلى جامع القاهرة، ونزولهم مجتمعين بالنّوح والنّشيد.
ثم جمع بعد هذا اليوم قاضي القضاة عبد العزيز بن النّعمان سائر المنشدين الذين يتكسّبون بالنّوح والنّشيد، وقال لهم: لا تلزموا النّاس أخذ شيء منهم إذا وقفتم على حوانيتهم، ولا تؤذوهم، ولا تتكسّبوا بالنّوح والنّشيد، ومن أراد ذلك فعليه بالصّحراء.
(a) بولاق: كلثوم. (b) بولاق: لا تخلو منهم. (c) من الفتن ساقطة من بولاق وليدن. (d) بولاق وليدن: السودان وكافور. (e) آياصوفيا: الطرق. (١) المقريزي: اتعاظ الحنفا ١٤٥: ١ - ١٤٦؛ ابن ميسر: أخبار مصر ١٦٤. (٢) نفسه ١٤٦: ١.