ثم زحفت هوّارة في محرّم سنة خمس عشرة وثمان مائة إلى أسوان، وحاربت أولاد الكنز وهزموهم، وقتلوا كثيرا من النّاس، وسبوا ما هناك من النّساء والأولاد، واسترقّوا الجميع، وهدموا سور مدينة أسوان، ومضوا بالسّبي، وقد تركوها خرابا بيابا لا سكن بها. فاستمرّت على ذلك بعد ما كانت بحيث يقول عنها عبد اللّه بن أحمد بن سليم الأسواني في كتاب «أخبار النّوبة»: إنّ أبا عبد الرّحمن عبد اللّه بن عبد الحميد العمري لمّا غلب على المعدن، كتب إلى أسوان يسأل التّجّار الخروج إليه بالجهاز من طريق المعدن، فخرج إليه رجل يعرف بعثمان بن حنجلة التّميمي في ألف راحلة فيها الجهاز والبر.
وذكر أنّ العمريّ لمّا عاد إلى بلاد البجة بعد حروبه للنّوبة، كثرت العمارة حتى صارت الرّواحل التي تحمل الميرة إليهم من أسوان ستين ألف راحلة، غير الجلاب التي تحمل من القلزم إلى عيذاب (١).
قال: وممّا شاهده جماعة من شيوخنا الثّقات بأسوان بقرية تدعى أساشي، هي من أسوان على مرحلتين ونصف، أنهم رأوا شرقها من جانب النّيل قرية بسور وخارج بابها جمّيزة، وناس يدخلون ويخرجون، فإذا عبروا إلى الموضع لم يجدوا شيئا؛ وهذا يكون في الشّتاء دون الصّيف قبل طلوع الشّمس. والناس مجمعون على رؤيتها، وصحّة هذا الخبر.
وكان بها أنواع من التّمر، وأنواع من الرّطب، منها نوع من الرّطب أشدّ ما يكون من خضرة السّلق. وأمر هارون الرّشيد أن يجمع له من ألوان تمر أسوان من كلّ صنف تمرة واحدة، فجمع له ويبة، ولا يعرف في الدّنيا بسر يتتمّر قبل أن يصير رطبا إلاّ بأسوان.
[ذكر بلاق]
بلاق أجلّ حصن للمسلمين، وهي جزيرة تقرب من الجنادل محيط بها النّيل، فيها بلد كبير يسكنه خلق كثير من الناس. وبها نخل عظيم، ومنبر في جامع وإليها تنتهي سفن النّوبة وسفن المسلمين من أسوان. وبينها وبين القرية التي تعرف بالقصر - وهي أوّل بلد النّوبة - ميل واحد (٢).
وبينها وبين أسوان أربعة أميال. ومن أسوان إلى هذا الموضع جنادل في البحر لا تسلكها المراكب إلاّ بالحيلة ودلالة من يخبر ذلك من الصّيّادين الذين يصيدون هناك.
(١) انظر فيما تقدم ٥٣٤. (٢) أورد المقريزي هذا النص فيما تقدم ٥١٧ نقلا عن ابن سليم الأسواني.