هذا القصر (١) بخطّ رحبة باب العيد بجوار المدرسة الحجازيّة، كان أوّلا يعرف بقصر الزّمرّد، في أيّام الخلفاء الفاطميين، من أجل أنّ باب القصر الذي كان يعرف بباب الزّمرّد كان هناك، كما تقدّم ذكره في هذا الكتاب عند ذكر القصور (٢).
فلمّا زالت الدولة الفاطمية صار من جملة ما صار بيد ملوك بني أيّوب، واختلفت عليه الأيدي إلى أن اشتراه الأمير بدر الدّين أمير مسعود بن خطير الحاجب (٣) من أولاد الملوك بني أيّوب، واستمرّ بيده إلى أن رسم بتسفيره من مصر إلى مدينة غزّة، واستقرّ نائب السّلطنة بها في سنة إحدى وأربعين وسبع مائة، وكاتب الأمير سيف الدّين قوصون عليه وملّكه إيّاه. فشرع في عمارته سبع قاعات، لكلّ قاعة إسطبل ومنافع ومرافق، وكانت مساحة ذلك عشرة أفدنة، فمات قوصون قبل أن يتم بناء ما أراد من ذلك. فصار يعرف بقصر قوصون إلى أن اشترته خوند تتر الحجازيّة ابنة الملك النّاصر محمد بن قلاوون وزوج الأمير ملكتمر الحجازي (٤)، فعمّرته عمارة ملوكية، وتأنّقت فيه تأنّقا زائدا، وأجرت الماء إلى أعلاه، وعملت تحته (a) إسطبلا كبيرا لخيول خدّامها وساحة كبيرة تشرف عليها من شبابيك حديد، فجاء شيئا عجبا حسنه. وأنشأت بجواره مدرستها التي تعرف إلى اليوم بالمدرسة الحجازيّة (٥)، وجعلت هذا القصر من جملة ما هو
(a) بولاق: تحت القصر. وسكنه إلى أن مات في أوّل دولة الملك الأشرف قايتباي في واقعة شاه سوار، فصار بيد الأمير علاء الدّين بن خاص بك صهر المقام الشّريف الأشرف المشار إليه. ثم استبدل للأمير ماماي أمير دوادار باني هذا القصر وعمّره وزخرفه بالرّخام المثمّن وتأنّق فيه إلى الغاية مع ما وضع يده عليه واعتقبه من دار الضّرب وأماكن كثيرة؛ وصرف في ذلك من الأموال ما لا ينحصر، فقتل قبل أن تكمل عمارته ولم يتمتّع به غير مدّة يسيرة، وهكذا حال الدّهر وتقلّباته». (١) أطلق عليه المقريزي في المسودة: دار الحجازية. (٢) فيما تقدم ٤٢٩: ٢. (٣) فيما تقدم ١٨٠ - ١٨١. (٤) الأمير سيف الدّين ملكتمر الحجازي النّاصري أحد المقدّمين أمراء الألوف، توفي مقتولا سنة ٧٤٨ هـ/ ١٣٤٨ م (الصفدي: أعيان العصر ٤٤٤: ٥ - ٤٤٧؛ المقريزي: السلوك ٧٥٥: ٢؛ ابن حجر: الدرر الكامنة ١٢٧: ٥؛ أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ١٨٤: ١٠؛ الدليل الشافي ٧٤١: ٢). (٥) فيما يلي ٣٨٢: ٢.