موقوف عليها. فلمّا ماتت سكنه الأمراء بالأجرة إلى أن عمّر الأمير جمال الدّين يوسف الأستادّار داره المجاورة للمدرسة السّابقيّة، وتولّى أستادّاريّة الملك النّاصر فرج، صار يجلس برحبة هذا القصر والمقعد الذي كان بها، وعمل القصر سجنا يحبس فيه من يعاقبه من الوزراء والأعيان، فصار موحشا يروّع النّفوس ذكره لما قتل فيه من النّاس خنقا وتحت العقوبة، من بعد ما أقام دهرا وهو مغنى صبابات، وملعب أتراب، وموطن أفراح، ودار عزّ، ومنزل لهو، ومحلّ أماني النّفوس ولذّاتها.
ثم لمّا فحش كلب جمال الدّين وشنع شرهه في اغتصاب الأوقاف، أخذ هذا القصر يتشّعث شيء من زخارفه، وحكم له قاضي القضاة كمال الدّين عمر بن العديم الحنفيّ باستبداله (١) - كما تقدّم الحكم في نظائره - فقلع رخامه، فلمّا قتل صار معطّلا مدّة، وهمّ الملك النّاصر فرج ببنائه رباطا، ثم انثنى عزمه عن ذلك.
فلمّا عزم على المسير إلى محاربة الأمير شيخ والأمير نوروز في سنة أربع عشرة وثمان مائة، نزل إليه الوزير الصّاحب سعد الدّين إبراهيم بن البشيري، وقلع شبابيكه الحديد لتعمل آلات حرب. وهو الآن بغير رخام ولا شبابيك، قائم على أصوله لا يكاد ينتفع به، إلاّ أنّ الأمير المشير بدر الدّين حسن بن محبّ الدّين (a) الأستادّار (٢)، لمّا سكن في بيت الأمير جمال الدّين، جعل ساحة هذا القصر إسطبلا لخيوله، وصار يحبس في القصر من يصادره أحيانا (٣).
وفي شهر (b) رمضان سنة عشرين وثمان مائة ذكر الأمير فخر الدّين عبد الغني بن أبي الفرج الأستادّار، ما يجده المسجونون في السّجن المستجدّ عند باب الفتوح بعد هدم خزانة شمائل، من شدّة الضّيق وكرب (c) الغمّ، فعيّن هذا القصر ليكون سجنا لأرباب الجرائم، وأنعم على جهة وقف مدرسة (b) جمال الدّين بعشرة آلاف درهم فلوسا عن أجرة سنتين، فشرعوا في عمله سجنا، وأزالوا كثيرا من معالمه، ثم ترك على ما بقي فيه ولم يتّخذ سجنا (٤).
(a) بولاق: بن محمد. (b) ساقطة من بولاق. (c) بولاق: كثرة. (١) فيما تقدم ٢٠١، ٢٢٢. (٢) الأمير بدر الدّين حسن بن عبد اللّه المعروف بابن محبّ الدّين الطّرابلسي المشير الوزير الأستادّار، المتوفى سنة ٨٢٤ هـ/ ١٤٢١ م (المقريزي: السلوك ٥٩٨: ٤؛ أبو المحاسن: المنهل الصافي ٨٥: ٥ - ٨٨؛ السخاوي: الضوء اللامع ١٠٢: ٣). (٣) المقريزي: المسودة ٤٢٠ - ٤٢١. (٤) هنا على هامش نسخة ص: «هذا القصر الآن بيد -