وقال عبد اللّه بن عمرو: قبط مصر أكرم الأعاجم كلّها، وأسمحهم يدا، وأفضلهم عنصرا، وأقربهم رحما بالعرب عامّة وبقريش خاصّة، ومن أراد أن يذكر الفردوس أو ينظر إلى مثلها في الدنيا، فلينظر إلى أرض مصر حين تخضرّ زروعها (a)، وتنوّر ثمارها.
وقال كعب الأحبار: من أراد أن ينظر إلى شبه الجنّة، فلينظر إلى مصر إذا أخرفت، (وفي رواية إذا أزهرت)(١).
[ومن فضائل مصر]
أنّه كان من أهلها السّحرة وقد آمنوا جميعا في ساعة واحدة، ولا يعلم جماعة أسلمت في ساعة واحدة أكثر من جماعة القبط؛ وكانوا - في قول يزيد بن أبي حبيب وغيره - اثني عشر ساحرا رؤساء، تحت يد كلّ ساحر منهم عشرون عريفا، تحت يد كلّ عريف منهم ألف من السّحرة، فكان جميع السّحرة مائتي ألف وأربعين ألفا ومائتين واثنين وخمسين إنسانا بالرّؤساء والعرفاء. فلمّا عاينوا ما عاينوا أيقنوا أنّ ذلك من السّماء، وأنّ السّحر لا يقوم لأمر اللّه، فخرّ الرّؤساء الاثنا عشر عند ذلك سجّدا، فاتّبعهم العرفاء، واتّبع العرفاء من بقي، و ﴿قالُوا آمَنّا بِرَبِّ اَلْعالَمِينَ * * رَبِّ مُوسى وَهارُونَ﴾ [الآيتان ١٢١، ١٢٢ سورة الأعراف]؛ قال تبيع: كانوا من أصحاب موسى ﵇ ولم يفتتن منهم أحد مع من افتتن من بني إسرائيل في عبادة العجل. قال تبيع: ما آمن جماعة قطّ في ساعة واحدة مثل جماعة القبط (٢).
وقال كعب الأحبار: مثل قبط مصر كالغيضة كلما قطعت نبتت، حتى يخرب اللّه ﷿ بهم وبصناعتهم جزائر الرّوم (٣).
وقال عبد اللّه بن عمرو: خلقت الدّنيا على خمس صور، على صورة الطّير برأسه وصدره وجناحيه وذنبه؛ فالرأس مكّة والمدينة واليمن، والصّدر الشّام ومصر، والجناح الأيمن العراق، وخلف العراق أمّة يقال لها واق، وخلف واق أمّة يقال لها واق واق، وخلف ذلك من الأمم ما لا يعلمه إلاّ اللّه ﷿؛ والجناح الأيسر السّند، وخلف السّند الهند، وخلف أمّة الهند أمّة يقال
(a) بولاق: يحضر زرعها. (١) ابن عبد الحكم: فتوح مصر ٥؛ أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ٣١: ١. (٢) النويري: نهاية الأرب ٣٤٩: ١. (٣) ابن عبد الحكم: فتوح مصر ٥.