ثم صار الأمراء والخاصّيكيّة، في الأيّام النّاصريّة وما بعدها، يتّخذون الحياصة من الذّهب، ومنها ما هو مرصّع بالجوهر. ويفرّق السّلطان في كلّ سنة على المماليك من حوائص الذّهب والفضّة شيئا كثيرا، ما زال الأمر على ذلك إلى أن ولي النّاصر فرج. فلمّا كان في أيّام الملك المؤيّد شيخ المحمودي (a) قلّ ذلك.
ووجد في تركة الوزير، الصّاحب علم الدّين عبد اللّه بن زنبور لمّا قبض عليه ستة آلاف حياصة، وستة آلاف كلّوتة جهاركس (١).
وما برح تجّار هذا السّوق من بياض العامّة، وقد قلّ تجّار هذا السّوق في زمننا، وصار أكثر حوانيته يباع فيها الطّواقي التي يلبسها الصّبيان، وصارت الآن من ملابس الأجناد.
سوق الحلاويّين
هذا السّوق معدّ لبيع ما يتّخذ من السّكّر حلوى، وإنّما يعرف اليوم بحلاوة منوّعة. وكان من أبهج الأسواق لما يشاهد في الحوانيت التي به (b) من الأواني وآلات النّحاس الثّقلية الوزن البديعة الصّنعة ذات القيم الكبيرة، ومن الحلاوات المصنّفة عدّة ألوان وتسمّى المجمّعة، وشاهدت بهذا السّوق السّكّر ينادى عليه كلّ قنطار بمائة وسبعين درهما.
فلمّا حدثت المحن وغلا السّكّر لخراب الدّواليب التي كانت بالوجه القبلي، وخراب مطابخ السّكّر التي كانت بمدينة مصر؛ قلّ عمل الحلوى، ومات أكثر صنّاعها (c). ولقد رأيت مرّة طبقا فيه نقل، وعدّة شقاف من خزف أحمر في بعضها لبن/ وفي بعضها أنواع الأجبان، وفيما بين الشّقاف الخيار والموز، وكلّ ذلك من السّكّر المعمول بالصّناعة. وكانت أيضا لهم عدّة أعمال من هذا النّوع يحيّر النّاظر حسنها.
(a) ساقطة من بولاق. (b) بولاق: بها. (c) بولاق: صناعتها. (١) الحياصة (حواصة) ج. حوائص. المنطقة التي تشدّ حوّل الوسط - وهي من المنح السّلطانية - وتكون من الذّهب أو الفضّة بحسب رتبة الأمير. (ابن فضل اللّه العمري: مسالك الأبصار ٣٠، ٣٥، ٧١؛ القلقشندي: صبح الأعشى ١٣٤: ٢، ٤٠: ٤، ٥٥؛ أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ٥: ٩؛ وفيما يلي ٧٠٤).