للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبالقصر مسلحة وباب إلى بلد النّوبة (١).

[ذكر حائط العجوز]

هذا الحائط كان حصنا لأرض مصر يحدق بجميعها، وكان فيه محارس ومسالح، ومن ورائه خليج يجري فيه الماء، معقود عليه القناطر، عملته دلوكة بنت زبّاء، وقد وهى وتلاشى، ولم يبق منه إلاّ يسير في شطّ النّيل الشّرقي ينتهي إلى أسوان (٢).

قال أبو القاسم عبد الرّحمن بن عبد اللّه بن عبد الحكم، في كتاب «فتوح مصر»: فبقيت مصر بعد غرقهم - يعني فرعون وجنوده - وليس فيها من أشراف أهلها أحد، ولم يبق بها إلاّ العبيد والأجراء والنّساء. فأعظم أشراف من بمصر من النّساء أن يولّين منهم أحدا، وأجمع رأيهنّ أن يولّين امرأة منهن يقال لها دلوكة بنت زبّاء، وكان لها عقل ومعرفة وتجارب، وكانت في شرف منهن وموضع، وهي يومئذ بنت مائة سنة وستين سنة؛ فملّكوها، فخافت أن يتناولها ملوك الأرض، فجمعت نساء الأشراف فقالت لهن: إنّ بلادنا لم يكن يطمع فيها أحد، ولا يمدّ عينه إليها، وقد هلك أكابرنا وأشرافنا، وذهب السّحرة الذين كنّا نقوى بهم. وقد رأيت أن أبني حصنا أحدق به جميع بلادنا، فأضع عليه المحارس من كلّ ناحية، فإنّا لا نأمن من أن يطمع فينا الناس.

فبنت جدارا أحاطت به على جميع أرض مصر كلّها، المزارع والمدائن والقرى، وجعلت دونه خليجا يجري فيه الماء، وأقامت القناطر والتّرع، وجعلت فيه محارس ومسالح، على كلّ ثلاثة أميال محرس ومسلحة، وفيما بين ذلك محارس صغارا على كلّ ميل.

وجعلت في كلّ محرس رجالا، وأجرت عليهم الأرزاق. وأمرتهم أن يجرّسوا بالأجراس، فإذا أتاهم أحد يخافونه ضرب بعضهم إلى بعض بالأجراس، فأتاهم الخبر


(١) بلاق. كلمة مصرية قديمة بمعنى الموردة أو المرساة التي ترسو بها السفن، فكما كانت أسوان تقع بالطرف البحري من الشلال كانت بلاق تقع بالطرف الجنوبي منه ميناء للسفن الحاملة للأصناف الواردة من السودان والصادرة إليه. ويدل على موقعها اليوم جزيرة المعبد وجزيرة أنس الوجود جنوب أسوان (الإدريسي: نزهة المشتاق ٣٨ - ٣٩؛ ياقوت: معجم البلدان ٤٧٨: ١؛ أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ١٨٨: ٧؛ محمد رمزي: القاموس الجغرافي ١٦٧: ١، ١٨٧، ٢/ ٢١٦: ٤ - ٢١٧).
(٢) النويري: نهاية الأرب ٣٩٢: ١؛ ابن فضل اللّه العمري: مسالك الأبصار ٢٣٩: ١.