اعلم أنّ اليهود الذين قطّعهم اللّه في الأرض إنّما [هي] (a) أربع فرق، كلّ فرقة تخطّئ الطوائف الأخر، وهي:«طائفة الرّبّانيين»، و «طائفة القرّائين»، و «طائفة العانانية»، و «طائفة السّمرة». وهذا الاختلاف حدث لهم بعد تخريب بخت نصّر بيت المقدس، وعودهم من أرض بابل بعد الجلاية إلى القدس، وعمارة البيت ثانيا. وذلك أنّهم في إقامتهم بالقدس أيّام العمارة الثانية، افترقوا في دينهم، وساروا شيعا.
فلمّا ملكهم اليونان بعد الإسكندر بن فيلبس، وقام بأمرهم في القدس هورقانوس بن شمعون ابن مشيثا، واستقام أمره فسمّي ملكا - وكان قبل ذلك هو وجميع من تقدّمه، ممّن ولي أمر اليهود في القدس بعد عودهم من الجلاية، إنّما يقال له «الكوهن الأكبر» - فاجتمع لهورقانوس منزلة الملك ومنزلة الكهونية، واطمأنّ اليهود في أيّامه، وأمنوا سائر أعدائهم من الأمم، فبطروا معيشتهم، واختلفوا في دينهم، وتعادوا بسبب الاختلاف.
وكان من جملة فرقهم إذ ذاك طائفة يقال لها «الفروشيم» [phorisees] - ومعناه المعتزلة - ومن مذهبهم القول بما في التّوراة على معنى ما فسّره الحكماء من أسلافهم؛ وطائفة يقال لهم «الصّدوقية» (b) [Sadducees] نسبوا إلى كبير لهم يقال له صدوق (c)، ومذهبهم القول بنصّ التّوراة وما دلّ عليه القول الإلهي فيما دون ما عداه من الأقوال؛ وطائفة يقال لهم «الحسيديم» (d) [Essenes] - ومعناه الصّلحاء - ومذهبهم الاشتغال بالنسك وعبادة اللّه سبحانه، والأخذ بالأفضل والأسلم في الدّين (١).
(a) بولاق: أمما، والنسخ: إنّما، وأضاف ناسخ نسخة ميونخ في الهامش: لعله سقط هي. (b) بولاق: الصدوفية. (c) بولاق: صدوف. (d) بولاق: الجسديم. - ١٩٧٤، وأعادت طبعه بالتصوير مكتبة الثقافة الدينية بالقاهرة. (١) فيما يلي ٩٥٩ - ٩٦٠، ومصدره في هذه المعلومات كما صرّح هناك هو «تاريخ يوسف بن كريون Joseph Ben Gorion أو Josephus.Gorionides