للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتوضّح لنا هذه المسوّدة منهج واحد من كبار علماء المسلمين ومؤرّخيهم في التّصنيف. ففي المخطوطة حذف وكشط وشطب كثير وإضافات عديدة ومطوّلة على هوامش الصّفحات وفي طيّارات بين أوراق الكتاب وتعديل لبعض النّصوص وإشارة بنقلها عند التّبييض إلى مكان آخر أليق بها، والتنبيه إلى استكمال النّقل أو الرّجوع إلى مصادر أخرى تعرّف عليها المقريزي بعد كتابته للمسوّدة.

فكان نشر مسوّدة الخطط - رغم عدم كمالها - هو السّبيل الوحيد لتقديم نصّ صحيح لقسم مختصر من كتاب «المواعظ والاعتبار» للمقريزي، وذلك انتظارا لإخراج تحقيق كامل لأهم كتاب في تاريخ مصر الإسلامية اعتمادا على أصحّ نسخة المخطوطة وأتمّها.

الكتاب ومؤلّفه

١ - موضوع الكتاب وما ألّف فيه من قبل

عرف فنّ كتابة الخطط (الطّبوغرافيا) - وهو نوع من الجغرافيا التاريخية الإقليمية - في كثير من أقطار العالم الإسلامي حيث اشتملت مقدّمات الكتب التي أرّخت للمدن الإسلامية مثل «تاريخ بغداد» للخطيب البغدادي و «تاريخ دمشق» لابن عساكر و «الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشّام والجزيرة» لابن شدّاد على أوصاف طبوغرافية لهذه المدن، ومع ذلك فنستطيع القول إنّ هذا الفنّ من الفنون التي اختصّت بها مصر الإسلامية ونما تطوّر بها على مدى تاريخها الطّويل، وكان له فيها تاريخ مجيد مهّد الطّريق إلى الاكتمال الذي بلغه هذا الفنّ في مؤلّف المقريزي الضّخم «المواعظ والاعتبار» الذي يعدّ بلا جدال أكبر ممثّل لنمط «الخطط».

فالكتاب أحد مفاخر التّراث العربي، فهو أشمل وأوسع كتاب كتب عن مدينة إسلامية تناول فيه مؤلّفه بطريقة تدعو إلى الإعجاب الظّواهر التاريخية والعمرانية والطّبوغرافية للمدينة، وهو بذلك يختلف عن «تاريخ بغداد» للخطيب البغدادي و «تاريخ مدينة دمشق» للحافظ ابن عساكر؛ فهذان الكتابان - وهما أكبر ما ألّف في تواريخ المدن - اتّبعا منهجا مخالفا، وكان غرض مؤلّفيهما هو الترجمة لمن ولد أو أقام أو دخل أو توفّي في هاتين المدينتين من الخلفاء والسّلاطين والعلماء والأدباء والشعراء والفقهاء … إلخ، (وهو ما فعله المقريزي في كتابه «المقفّى الكبير») مع مقدّمة في وصف المدينة وتخطيطها لا يمكن مقارنتها بأي حال من الأحوال بعمل المقريزي الذي بلغ