فعندما حضر صاحب حماه إلى مجلس السّلطان على العادة، قال له: يا خوند، إيش عملت معي؟ الأمراء أنكروا عليّ، والفقراء تطالبني. فأنعم عليه بألف دينار. فجمع الفقراء والناس، وعمل وقتا عظيما بزاوية الشّيخ عليّ الحريريّ خارج دمشق.
وكان سمح النفس، جميل العشرة، لطيف الرّوح، يحلق لحيته ولا يعتمّ، ثم إنّه ترك الحلق، وصارت له لحية، وتعمّم عمامة صوفيّة، وكانت له غضبة (a)، وفيه مروءة وعصبيّة، ومات بدمشق في سنة اثنتين وعشرين وسبع مائة. وما برحت (b) هذه الزّاوية منزلا لطائفة القلندريّة، ولهم بها شيخ، وفيها منهم عدد موفور.
وفي شهر ذي القعدة سنة إحدى وستين وسبع مائة، حضر السّلطان الملك الناصر حسن ابن محمد بن قلاوون بخانقاه أبيه الملك الناصر، في ناحية سرياقوس خارج القاهرة، ومدّ له شيخ الشّيوخ سماطا كان من جملة من وقف عليه بين يدي السّلطان الشّريف عليّ، شيخ زاوية القلندريّة هذه، فاستدعاه السّلطان، وأنكر عليه حلق لحيته واستتابه، وكتب له توقيعا سلطانيّا منع فيه هذه الطائفة من تحليق لحاهم، وأنّ من تظاهر بهذه البدعة قوبل على فعله المحرّم، وأن يكون شيخا على طائفته كما كان ما دام وداموا متمسّكين بالسّنّة النبويّة.
وهذه البدعة لها منذ ظهرت ما يزيد على أربع مائة سنة، وأوّل ما ظهرت بدمشق في سنة بضع عشرة وخمس مائة (c)، وكتب إلى بلاد الشّام بإلزام القلندريّة بترك زيّ الأعاجم والمجوس، ولا يمكّن أحد من الدّخول إلى بلاد الشّام حتى يترك هذا الزّيّ المبتدع واللباس المستبشع المستشنع (d)، ومن لا يلتزم بذلك يعزّر شرعا، ويقلع من قراره قلعا. فنودي بذلك في دمشق وأرجائها يوم الأربعاء سادس عشر ذي الحجّة.
قبّة النصر
هذه القبّة زاوية يسكنها فقراء العجم، وهي خارج القاهرة بالصّحراء تحت الجبل الأحمر، بآخر ميدان القبق من بحريه (١) (e). جدّدها الملك الناصر محمد بن
(a) بولاق: غصبة. (b) بولاق: وما زالت. (c) بولاق: وست مائة. (d) ساقطة من بولاق. (e) بياض بنسخة آياصوفيا. (١) ذكر المقريزي (فيما تقدم ٣٧٦: ٣) أنّ الأمير يونس الدّوادار عمّر تربته بعد سنة ٧٨٠ هـ/ ١٣٨٨ م تجاه قبّة النصر، ثم -