للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يثاب عليه، وما كان إلاّ من أعظم الذّنوب وأكثرها ضررا، فإنّه حلّ بالفقراء بلاء كبير من تشتّت شملهم وتعذّر الأماكن عليهم، فساروا في القرى، وتبذّلوا بعد الصّيانة، وفقد من الجامع أكثر ما كان فيه من تلاوة القرآن ودراسة العلم وذكر اللّه. ثم لم يرضه ذلك حتى زاد في التّعدّي، وأشاع أنّ أناسا يبيتون بالجامع ويفعلون فيه منكرات. وكانت العادة قد جرت بمبيت كثير من النّاس في الجامع ما بين تاجر وفقيه وجندي وغيرهم، منهم من يقصد بمبيته البركة، ومنهم من لا يجد مكانا يأويه، ومنهم يستروح بمبيته هناك خصوصا في ليالي الصّيف وليالي شهر رمضان، فإنّه يمتلئ صحنه وأكثر رواقاته.

فلمّا كانت ليلة الأحد الحادي عشر من جمادى الآخرة، طرق الأمير سودون (a) الجامع بعد العشاء الآخرة - والوقت صيف - وقبض على جماعة وضربهم في الجامع، وكان قد جاء معه من الأعوان والغلمان وغوغاء العامّة ومن يريد النّهب جماعة، فحلّ بمن كان في الجامع أنواع البلاء، ووقع فيهم النّهب، فأخذت فرشهم وعمائمهم، وفتّشت أوساطهم، وسلبوا ما كان مربوطا عليها من ذهب وفضّة (١).

وعمل ثوبا أسود للمنبر وعلمين مزوّقين، بلغت النّفقة على ذلك خمسة عشر ألف درهم على ما بلغني. فعاجل اللّه الأمير سودون (a)، وقبض عليه السّلطان في شهر رمضان، وسجنه بدمشق.

[جامع الحاكم]

[أثر رقم ١٥] هذا الجامع بني خارج باب الفتوح - أحد أبواب القاهرة - وأوّل من أسّسه أمير المؤمنين العزيز باللّه نزار بن المعزّ لدين اللّه معدّ، وخطب فيه وصلّى بالنّاس الجمعة، ثم أكمله ابنه الحاكم بأمر اللّه. فلمّا وسّع أمير الجيوش بدر الجمالي القاهرة، وجعل أبوابها حيث هي اليوم، صار جامع الحاكم داخل القاهرة، وكان يعرف أوّلا ب «جامع الخطبة»، ويعرف اليوم


(a) بولاق: سودوب.
(١) المقريزي: السلوك ٣٢٢: ٤ - ٣٢٤.