وفي شوّال منها ابتدئ بعمل الصّهريج الذي بوسط الجامع، فوجد هناك آثار فسقيّة ماء، ووجد أيضا رمم أموات. وتمّ بناؤه في ربيع الأوّل، وعمل بأعلاه مكان مرتفع له قبّة يسبّل فيه الماء، وغرس بصحن الجامع أربع شجرات نارنج (a)، فلم تفلح وماتت.
ولم يكن لهذا الجامع ميضأة عند ما بني، ثم عملت ميضأته حيث المدرسة الآقبغاوية، إلى أن بنى الأمير آقبغا عبد الواحد مدرسته المعروفة بالمدرسة الآقبغاوية هناك (١). وأمّا هذه الميضأة التي بالجامع الآن فإنّ الأمير بدر الدّين جنكلي بن البابا بناها، ثم زيد فيها بعد سنة عشر وثمان مائة ميضأة المدرسة الآقبغاوية.
وفي سنة ثمان عشرة وثمان مائة ولي نظر هذا الجامع الأمير سودون (c) القاضي حاجب الحجّاب (٢)، فجرت في أيّام نظره حوادث لم يتّفق مثلها. وذلك أنّه لم يزل في هذا الجامع منذ بني عدّة من الفقراء يلازمون الإقامة فيه، وبلغت عدّتهم في هذه الأيّام سبع مائة وخمسين رجلا، ما بين عجم وزيالعة ومن أهل ريف مصر ومغاربة، ولكلّ طائفة رواق يعرف بهم (٣). فلا يزال الجامع عامرا بتلاوة القرآن ودراسته وتلقينه، والاشتغال بأنواع العلوم من (a) الفقه والحديث والتّفسير والنّحو، ومجالس الوعظ وحلق الذّكر. فيجد الإنسان إذا دخل هذا الجامع من الأنس باللّه، والارتياح وترويح النّفس، ما لا يجده في غيره، وصار أرباب الأموال يقصدون/ هذا الجامع بأنواع البرّ من الذّهب والفضّة والفلوس إعانة للمجاورين فيه على عبادة اللّه تعالى، وكلّ قليل تحمل إليهم أنواع الأطعمة والخبز والحلاوات لا سيّما في المواسم.
فأمر في جمادى الأولى من هذه السّنة بإخراج المجاورين من الجامع، ومنعهم من الإقامة فيه، وإخراج ما كان لهم فيه من صناديق وخزائن وكراسي المصاحف (٤) زعما منه أنّ هذا العمل ممّا
(a) ساقطة من بولاق. (c) بولاق: سودوب. (١) فيما يلي ٥٤٠ - ٥٤٤. (٢) توفى سنة ٨٢٢ هـ/ ١٤١٩ م (أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ١٥٨: ١٤، المنهل الصافي ١٤٩: ٦ - ١٥١؛ السخاوي: الضوء اللامع ٢٨٤: ٣ - ٢٨٥). (٣) هذه أقدم إشارة وصلت إلينا عن «نظام الأروقة» الذي اشتهر به الجامع الأزهر، وأصبح أحد أهمّ سماته في العصر العثماني وحتى النّصف الأوّل من القرن العشرين. (راجع، علي مبارك: الخطط التوفيقية ٤٩: ٤ - ٥٨ (٢٠ - ٢٥)؛ عبد العزيز الشناوي: الأزهر جامعا وجامعة، القاهرة ١٩٨٣، ٢٤١: ١ - ٣١٠). (٤) المقريزي: السلوك ٣١٩: ٤.