للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذكر السّجون

قال ابن سيده: السّجن المحبس (a)، والسّجّان صاحب السّجن، ورجل سجين: مسجون (١).

قال: وحبسه يحبسه حبسا فهو محبوس وحبيس، واحتبسه وحبسه، أمسكه عن وجهه.

قال سيبويه: حبسه ضبطه، واحتبسه اتّخذه حبسا، والمحبس والمحبسة والمحبس اسم الموضع.

وقال بعضهم: المحبس يكون مصدرا كالحبس، ونظيره قوله (b): ﴿إِلَى اَللّهِ مَرْجِعُكُمْ﴾ [من الآية ٤٨ سورة المائدة]، أي رجوعكم، ﴿وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ اَلْمَحِيضِ﴾ [الآية ٢٢٢ سورة البقرة]، أي الحيض (٢).

وروى الإمام أحمد وأبو داود من حديث بهز بن حكيم، عن أبيه عن جدّه قال: إنّ النّبيّ ، حبس في تهمة.

وفي جامع الخلاّل عن أبي هريرة قال: إنّ رسول اللّه حبس في تهّمة يوما وليلة.

فالحبس الشّرعي ليس هو السّجن في مكان ضيّق، وإنّما هو تعويق الشّخص ومنعه من التّصرّف بنفسه؛ سواء كان في بيت أو مسجد، أو كان يتولّى نفس الخصم أو وكيله عليه، وملازمته له. ولهذا سمّاه النّبيّ أسيرا؛ كما روى أبو داود وابن ماجه، عن الهرماس بن حبيب عن أبيه قال: أتيت النّبيّ بغريم لي، فقال لي: «الزمه». ثم قال لي: «يا أخا بني تميم، ما تريد أن تفعل بأسيرك؟»، وفي رواية ابن ماجة: ثمّ مرّ رسول اللّه بي آخر النّهار، فقال: «ما فعل أسيرك يا أخا بني تميم؟».

وهذا كان هو الحبس على عهد النّبيّ وأبي بكر الصّدّيق ولم يكن له محبس معدّ لحبس الخصوم. ولكن لمّا انتشرت الرّعيّة في زمن عمر بن الخطّاب ابتاع من صفوان بن أميّة دارا بمكّة بأربعة آلاف درهم، وجعلها سجنا يحبس فيها.

ولهذا تنازع العلماء: هل يتّخذ الإمام حبسا؟ على قولين: فمن قال لا يتّخذ حبسا، احتجّ بأنّه لم يكن لرسول اللّه ولا لخليفته من بعده حبس، ولكن يعوّقه بمكان من الأمكنة، أو


(a) بولاق: الحبس، والتصويب من المحكم.
(b) إضافة من المحكم مصدر النقل.
(١) ابن سيدة: المحكم والمحيط الأعظم ١٩٦: ٧.
(٢) نفسه ١٥٢: ٣. (والاستشهاد بسيبويه هو لابن سيده).