للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما يحتاج إليه، والكاتب قائم بين يديه يكتب ما يقول، ثم يلتفت «القاطر» إلى أهل الصّناعات ويخرجهم إلى دار الحكمة، فيضعون أيديهم في الأعمال التي يصلح عملها في ذلك اليوم، ثم يؤرّخ ما جرى في ذلك اليوم في صحيفة، وتخزّن في خزائن الملك (١).

وكان الملك إذا همّه أمر، جمع الكهّان خارج مدينة منف - وقد اصطفّ الناس لهم بشارع المدينة - ثم يدخل الكهّان ركبانا على قدر مراتبهم والطبل بين أيديهم، وما منهم إلاّ من أظهر أعجوبة قد عملها: فمنهم من يعلو وجهه نور كهيئة نور الشّمس لا يقدر أحد على النظر إليه، ومنهم من على بدنه جواهر مختلفة الألوان قد نسجت على ثوب، ومنهم من يتوشّح بحيّات عظيمة، ومنهم من يعقد فوقه قبّة من نور، إلى غير ذلك من بديع أعمالهم. ويصيرون كذلك إلى حضرة الملك، فيخبرهم بما نزل به، فيجيلون رأيهم فيه حتى يتّفقوا على ما يصرّفونه به (٢).

وهذا - أعزّك اللّه - من خبرهم لمّا كان الملك فيهم. فلمّا استولت العماليق على ملك مصر، وملكتها الفراعنة، ثم تداولتها من بعدهم أجناس أخر، تناقصت علوم القبط شيئا بعد شيء إلى أن تنصّروا، فغادروا عوايد أهل الشّرك، واتّبعوا ما أمروا به من دين النصرانيّة، كما ستقف عليه تلو هذا إن شاء اللّه تعالى.

ذكر دخول قبط مصر في دين النصرانيّة (٣)

اعلم أنّ النصارى، أتباع عيسى نبي اللّه ابن مريم سمّوا نصارى لأنّهم ينتسبون إلى قرية الناصرة من/ جبل الجليل - بالجيم - ويعرف هذا الجبل بجبل كنعان، وهو الآن في زمننا من جملة معاملة صفد (٤).


(١) النويري: نهاية الأرب ٤١: ١٥.
(٢) نفسه ٤١: ١٥.
(٣) من هنا وحتى صفحة فيما يلي، وكذلك خبر كنيسة الزّهري فيما يلي، نشرة هنريكو جوزيف ويتزر مع ترجمة لاتينية سنة ١٨٢٨ م بعنوان: Wetzer، H.J.، Taki-eddini Makririi Historia Coptorum Christianorum in Aegypto Arabice، Solisbaci ١٨٢٨.L ٢
(٤) المسعودي: مروج الذهب ٧٠: ١ - ٧١؛ القلقشندي: صبح الأعشى ٢٧١: ١٣، الذي أضاف إلى التفسير الذي أورده المقريزي، أنّها أخذا من قول المسيح للحواريين: ﴿مَنْ أَنْصارِي إِلَى اَللّهِ﴾ وقول الحواريين: ﴿نَحْنُ أَنْصارُ اَللّهِ﴾ [الآية ٥٢ سورة آل عمران، والآية ١٤ سورة الصّفّ].