للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي مطلع القرن التاسع عشر عرفت القاهرة تقسيما إداريا جديدا أدخله الفرنسيون زمن الحملة الفرنسية، حيث مهّدوا جملة كبيرة من شوارع المدينة، وفتحوا منافذ اتّصال كثيرة بين قلعة الجبل ومختلف أحياء المدينة، واختطّوا طرقا تربط القاهرة بنهر النّيل غربا، والأهمّ من ذلك أنّهم قسموا القاهرة إلى ثمانية أقسام إدارية يشرف على كلّ واحد منها قائد فرنسي. وقد قسمت خريطة القاهرة التي وضعها علماء الحملة وكذلك الشّرح المصاحب لها إلى ثمانية أقسام تبعا لهذا التّقسيم (١). ويضيف علي باشا مبارك، في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي، أنّ كلّ ثمن منها انقسم إلى شياخات تكثر وتقلّ بالنّسبة لكبر الثمن وصغره، ولكلّ ثمن شيخ يعرف ب «شيخ الثّمن»، ولكلّ شياخة شيخ يعرف ب «شيخ الحارة». والأثمان الثمانية في زمن علي مبارك كانت:

ثمن الموسكي، وثمن الأزبكيّة، وثمن باب الشّعرية، وثمن الجماليّة، وثمن الدّرب الأحمر، وثمن الخليفة، وثمن عابدين، وثمن السّيّدة زينب، وثمن مصر العتيقة، وثمن بولاق (٢).

وفي القرن العشرين تضاءل حجم الحارة وتغيّر مفهومها وأصبح المقصود بهذا اللّفظ «الطّريق النّافذ الذي يمرّ فيه النّاس بين المساكن»، وقد يربط بين أكثر من حارة أو يفضي من مجموع الحارات إلى الشّارع الرّئيس (٣).

[دور وقصور القاهرة]

لم يقدّم لنا المقريزيّ في الفصل الذي عقده لذكر الدّور والقصور المنتشرة في القاهرة في وقته، أيّ وصف معماريّ لهذه الدّور والقصور، واكتفى فقط بذكر من أمر بإنشائها والسّنة التي أنشئت فيها وأحيانا تكلفة بنائها، ثم تحديد موضعها من القاهرة؛ وفعل الشّيء نفسه عند ذكره للدّور التي أنشأها الطّولونيّون في القطائع والقصور الزّاهرة التي أنشأها الفاطميّون في القاهرة والتي أتى على ذكرها في المجلّد الثّاني.

ولاستكمال هذا النّقص سأتناول الحديث على نمط البناء الذي ساد في مصر في الفسطاط والقطائع، وكيف عرف هذا النّمط طريقه إلى القاهرة في زمن الفاطميين، ثم الأساليب الجديدة


(١) نفسه ٩٠.
(٢) علي مبارك: الخطط التوفيقية الجديدة ٨٦: ١ (٢١٦ - ٢١٧).
(٣) راجع حول هذا الموضوع Raymond، A.، «La geographie des Hara (S) du Caire au XVIIIL ٢ siecle»، Livre du Centenaire، IFAO، ١٩٨٠، pp.
٤١٥ - ٣١; al-Messiri Nadim، N.، «The Concept of the Hara-A Historical and Sociological Study of al-Sukkariyya»، An.Isl.XV (١٩٧٩)، pp. ٣١٣ - ٤٨.