(فيما يلي ٥٩). أمّا حارة العبيد التي ذكرها المسبّحي فقد نشأت في السّنوات الأولى لحكم الخليفة الظّاهر، خارج باب زويلة، لتضمّ العناصر السّودانية التي استعانت بها بعدد كبير زوجة الإمام الظّاهر بأمر اللّه.
ولا يمدّنا المقريزيّ - الذي ذكر التحوّل الهامّ في شكل المدينة في أعقاب إباحة بدر الجمالي للنّاس بالبناء داخل أسوار المدينة - بأيّة تفاصيل تعيننا في هذا الموضوع. أمّا بقيّة الحارات التي نشأت في النّصف الأخير من عمر الدّولة الفاطميّة - فيما عدا حارتي الصّالحية (فيما يلي ٣٢) - فقد نشأت خارج باب زويلة وفي البرّ الغربي للخليج.
ويبدو من أوصاف المقريزي أنّه لم يكن هناك فرق واضح يبين مفهوم وشكل التّجمّعات السّكنيّة التي نشأت في كلّ من الفسطاط والقطائع والقاهرة! يقول المقريزي:«اعلم أنّ الخطط التي كانت بمدينة فسطاط مصر، بمنزلة الحارات التي هي اليوم بالقاهرة، فقيل لتلك في مصر خطّة، وقيل لها في القاهرة حارة»(فيما تقدم ٣٢: ٢)، وعند ذكر قطائع ابن طولون كتب يقول:
«فكانت كلّ قطيعة لسكنى جماعة بمنزلة الحارات التي بالقاهرة»(فيما تقدم ٨٠: ٢)(١).
ولكن مفهوم وشكل الحارة القاهريّة تطوّر واختلف عبر الزّمن، حيث ظهر في العصرين الأيّوبي والمملوكي، بعد أن فتحت القاهرة أبوابها للأنشطة التّجارية والحرفيّة وانتقال مركز الحكم إلى قلعة الجبل، مصطلح جديد هو «الخطّ»(ج. أخطاط) والذي ضمّ أحيانا عددا من الحارات الفاطميّة (فيما يلي ٦٩). ولكن مصطلح الحارة لم يختف تماما بل تحوّل مدلوله، يقول جومار في نهاية القرن الثّامن عشر: إنّ أحياء المدينة الثلاثة والخمسين والتي تبدأ بكلمة «حارة» تتميّز بأسماء الأمم المختلفة وأنواع الصّناع والحرفيين والتّجار الذين يقيمون فيها، أو تنسب إلى المنشآت الرّئيسة الموجودة بها. وهي عبارة عن نطاقات من المنازل تتفاوت في الاتّساع وعادة ما تكون مغلقة بأبواب تقفل في أثناء اللّيل لضمان أمن المدينة، عدا شهر رمضان وبعض الأعياد الليلية. وتصبّ كلّ السّكك الموجودة بها في «عطفات» تتصّل بدورها بالشّارع الرّئيس للحي الذي تستمدّ عادة اسمها منه، ويطلق على العديد منها «خطّ»، كما أنّ بعض هذه الأحياء مثل: بين القصرين وتحت الرّبع لا تسبقها كلمتي حارة أو خطّ (٢).
(١) يقول أبو المحاسن: «والقطائع كانت بمعنى الأطباق التي للماليك السّلطانية الآن … وكانت كلّ قطيعة لسكن جماعة ممّن ذكرنا وهي بمنزلة الحارات اليوم» (النجوم الزاهرة ١٥: ٣). (٢) جومار: وصف مدينة القاهرة وقلعة الجبل ١٦١ - ١٦٢.