وكانت ولاية الفضل إمارة مصر، من قبل المهدي محمد بن أبي جعفر المنصور، على الصّلاة والخراج. فدخلها سلخ المحرّم سنة تسع وستين ومائة في عسكر من الجند عظيم أتى بهم من الشّام، ومصر تضطرم لما كان في الحوف، ولخروج دحية بن معصّب (a) بن الأصبغ بن عبد العزيز ابن مروان. فقام في ذلك، وجهّز الجنود حتى أسر دحية وضرب عنقه في جمادى الآخرة من السنة المذكورة. وكان يقول: أنا أولى النّاس بولاية مصر لقيامي في أمر دحية، وقد عجز عنه غيري حتى كفيت أهل مصر أمره. فعزله موسى الهادي لمّا استخلف بعد موت أبيه المهدي بعد ما أقرّه. فندم الفضل على قتل دحية، وأظهر توبة، وسار إلى بغداد. فمات عن خمسين سنة في سنة اثنتين وسبعين ومائة (١).
ولم يزل الجامع بالعسكر إلى أن ولي عبد اللّه بن طاهر بن الحسين بن مصعب مولى خزاعة على صلاة مصر وخراجها، من قبل عبد اللّه أمير المؤمنين المأمون، في ربيع الأوّل سنة إحدى عشرة ومائتين، فزاد في عمارته، وكان النّاس يصلّون فيه الجمعة قبل بناء جامع أحمد ابن طولون. ولم يزل هذا الجامع إلى ما بعد الخمس مائة من سني الهجرة (٢).
قال ابن المأمون في «تاريخه» من حوادث سنة سبع عشرة وخمس مائة: وكان يطلق في الأربع ليالي الوقود - وهي مستهلّ رجب، ونصفه، ومستهلّ شعبان، ونصفه - برسم الجوامع السّتّة:
الأزهر والأنور والأقمر بالقاهرة، والطّولوني والعتيق بمصر، وجامع القرافة، والمشاهد التي تتضمّن الأعضاء الشّريفة، وبعض المساجد التي يكون لأربابها وجاهة؛ جملة كثيرة من الزّيت الطّيّب، ويختصّ بجامع راشدة وجامع ساحل الغلّة بمصر والجامع بالمقس يسير (٣).
ويعني بجامع ساحل الغلّة جامع العسكر، فإنّ العسكر حينئذ كان قد خرب وحملت أنقاضه، وصار الجامع بساحل مصر، وهو السّاحل القديم المذكور في موضعه من هذا الكتاب (٤).
[ذكر العسكر]
كان مكان العسكر في صدر الإسلام يعرف بعد الفتح بالحمراء القصوى. وهي كما تقدّم خطّة بني الأزرق، وخطّة بني روبيل،
(a) بولاق: مصعب. (١) فيما تقدم ٦٦: ٢. (٢) المقريزي: مسوّدة الخطط ٧١ و. (٣) ابن المأمون: أخبار مصر ٦٩ وفيما تقدم ٥٢٤: ٢. (٤) انظر فيما تقدم ١٥٨: ٢ - ١٦٣.