وكان أحد الأبطال الموصوفين بقوّة النّفس، وشدّة العزم، ومحبّة الفقراء، وإيثار الصّالحين، وله مماليك قد عرفوا بالشّجاعة والنّجدة، وكان ممّن يقتدى برأيه، وتتّبع آثاره لمعرفته بالأيّام والوقائع. وما برحت ذرّيته بهذه الدّار إلى الآن، وأظنّها موقوفة عليهم.
[دار قراسنقر]
هذه الدّار برأس حارة بهاء الدّين، أنشأها الأمير شمس الدّين قراسنقر (١) وبها كان سكنه، وهي إحدى الدّور الجليلة، ووجد بها في سنة اثنتي عشرة وسبع مائة لمّا أحيط بها اثنان وثلاثون ألف ألف دينار، ومائة ألف وخمسون ألف درهم فضّة، وسروج مذهّبة وغير ذلك. فحمل الجميع إلى بيت المال.
ولم تزل جارية في أوقاف المدرسة القراسنقرية إلى أن اغتصبها الأمير جمال الدّين يوسف الأستادّار فيما اغتصب من الأوقاف، وجعلها وقفا على مدرسته التي أنشأها برحبة باب العيد.
فلمّا قتله الملك النّاصر فرج بن برقوق، ارتجع جميع ما خلّفه وصار في جملة الأموال السّلطانية.
ثم أفرد من الأوقاف التي جعلها جمال الدّين على مدرسته شيئا، وجعل باقيها لأولاده وعلى تربته التي أنشأها على قبر أبيه الملك الظّاهر برقوق بالصّحراء تحت الجبل خارج باب النّصر (٢). فلمّا قتل الملك النّاصر فرج، صارت هذه الدّار بيد الأمير طوغان الدّاودار (٣)؛ وكانوا كسارق من سارق (٤).
وما من قتيل يقتل إلاّ وعلى ابن آدم الأوّل كفل منه؛ لأنّه أوّل من سنّ القتل.
(١) الأمير شمس الدّين قراسنقر الجوكندار المنصوري، المتوفى سنة ٧٢٨ هـ/ ١٣٢٨ م. (انظر ترجمته فيما يلي ٣٨٨: ٢ - ٣٩٠). (٢) انظر فيما يلي ٤٦٤: ٢. (٣) الأمير سيف الدّين طوغان الحسني الظّاهري الدّوادار الكبير المعروف بالمجنون، المتوفى سنة ٨١٨ هـ/ ١٤١٥ م. (ابن حجر: إنباء الغمر ٨١: ٣؛ أبو المحاسن: المنهل الصافي ١٨: ٧ - ٢١ وفيه: «وهو صاحب المدرسة برأس حارة برجوان بالشارع، والدّار بحارة بهاء الدّين»؛ الصيرفي: نزهة النفوس ٣٥٩: ٢ - ٣٦٠؛ السخاوي: الضوء اللامع ١١: ٤). (٤) انظر كذلك تعليق المقريزي على بناء المارستان المنصوري فيما يلي ٤٠٨: ٢.