اعلم أنّ الجزائر التي هي الآن في بحر النّيل كلّها حادثة في الملّة الإسلامية، ما عدا الجزيرة التي تعرف اليوم بالرّوضة تجاه مدينة مصر. فإنّ العرب لمّا دخلوا مع عمرو بن العاص إلى مصر وحاصروا الحصن - الذي يعرف اليوم بقصر الشّمع في مصر - حتى فتحه اللّه تعالى عنوة على المسلمين، كانت هذه الجزيرة حينئذ تجاه القصر. ولم يبلغني إلى الآن متى حدثت، وأمّا غيرها من الجزائر فكلّها قد تجدّدت بعد فتح مصر.
ويقال - واللّه أعلم - إنّ بلهيب، الذي يعرف اليوم بأبي الهول، طلّسم وضعه القدماء لقلب الرّمل عن برّ مصر الغربي الذي يعرف اليوم ببرّ الجيزة. وأنّه كان في البرّ الشرقي، بجوار قصر الشّمع، صنم من حجارة على مسامتة أبي الهول - بحيث لو امتدّ خيط من رأس أبي الهول وخرج على استواء لسقط على رأس هذا الصّنم - وكان مستقبل المشرق، وأنّه وضع أيضا لقلب الرّمل عن البرّ الشرقي.
فقدّر اللّه ﷾ أن كسر هذا الصّنم على يد بعض أمراء الملك النّاصر محمد ابن قلاوون في سنة إحدى عشرة وسبع مائة، وحفر تحته حتّى بلغ الحفر إلى الماء ظنّا أنّه يكون هناك كنز، فلم يوجد شيء، وكان هذا الصّنم يعرف عند أهل مصر بسريّة أبي الهول. فكان عقيب ذلك غلبة النّيل على البرّ الشّرقي حتى عمل الملك النّاصر ما تقدّم ذكره وانطرد الماء عن البرّ الشّرقي، وصارت هذه الجزائر الموجودة اليوم (١).
وكذلك قام شخص من صوفيّة الخانقاه الصّلاحيّة سعيد السّعداء، يعرف بالشّيخ محمد صائم الدّهر، في تغيير المنكر أعوام بضع وثمانين وسبع مائة. فشوّه وجوه سباع الحجر التي على قناطر السّباع خارج القاهرة وشوّه وجه أبي الهول، وصار كما هو عليه الآن. وما برحت بعد ذلك أسمع أهل بلاد الجيزة يقولون إنّه منذ أفسد وجه أبي الهول غلب الرّمل على أراضي الجيزة.
ولا ينكر ذلك، فللّه في خليقته أسرار يطلع عليها من يشاء من عباده، والكلّ بخلقه وتقديره (٢).
وقد ذكر الأستاذ إبراهيم بن وصيف شاه، في كتاب «أخبار مصر» في خبر الواحات الدّاخلة، أنّ في تلك الصّحاري كانت أكثر مدن ملوك مصر العجيبة وكنوزهم، إلاّ أنّ الرّمال غلبت
(١) فيما تقدم ٣٣٢: ١ - ٣٣٣. (٢) فيما تقدم ٣٣٣: ١، وهذا المجلد ٤٩١، وانظر أيضا المقريزي: السلوك ٣٥٧: ٣.