من نكبته بدون إتلاف النفس. فكم ناطح كبشا، وثلّ عرشا، وعالج جبالا شامخة، واقتلع دولا من أصولها الرّاسخة.
وهو أحد من قام بتخريب إقليم مصر، فإنّه ما زال يرفع سعر الذّهب حتى بلغ كلّ دينار إلى مائتي درهم وخمسين درهما من الفلوس، بعد ما كان بنحو خمسة وعشرين درهما، ففسدت بذلك معاملة الإقليم، وقلّت أمواله، وغلت أسعار المبيعات، وساءت أحوال الناس؛ إلى أن زالت البهجة، وانطوى بساط الرّقّة، وكاد الإقليم يدمّر - كما ذكر ذلك عند ذكر الأسباب التي نشأ عنها خراب مصر من هذا الكتاب (١) - عفا اللّه عنه وسامحه، فلقد قام بمواراة آلاف من الناس الذين هلكوا في زمان المحنة سنة ستّ وسنة سبع وثمان مائة وتكفينهم، فلم ينس اللّه له ذلك، وستره كما ستر المسلمين: ﴿وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ [الآية ٦٤ سورة مريم].
الخانقاه البندقدرايّة [أثر رقم ١٤٦]
هذه الخانقاه بالقرب من الصّليبة، كان موضعها يعرف قديما بدويرة مسعود، وهي الآن تجاه المدرسة الفارقانية وحمّام الفارقاني (٢). أنشأها الأمير علاء الدّين أيدكين البندقدار (a) الصّالحي النجمي، وجعلها مسجدا للّه تعالى وخانقاه، (b) على ما شاهدته في كتاب وقفها (b)، ورتّب فيها
(a) بولاق: البندقداري. (b) (b-b) إضافة من المسوّدة. (١) راجع مناقشة كتابة المقريزي للفصل المتعلّق بالأسباب التي نشأ عنها خراب مصر في المقدّمة. (٢) ما تزال هذه الخانقاه موجودة إلى الآن، وتعرف ب «زاوية الأبار» بشارع السّيوفيّة بجوار قصر الأمير طاز (فيما تقدم ٢٤٠: ٣ - ٢٤٢). وقد جدّدها ديوان الأوقاف في سنة ١٣٠٠ هـ/ ١٨٨٣ م. ويوجد على يسار الدّاخل من باب الخانقاه قبّة أثرية تشرف على الشارع تحتها قبر الأمير علاء الدّين أيدكين، وكان يوجد بها تابوت خشبي موضوع فوق القبر، يوجد منه الآن بقايا ملقاة بجوار الجدار، ويلفت الانتباه في هذه القبّة الزّخارف الجصّيّة الموجودة حول محرابها، وتوجد داخل الخانقاه قبّة أخرى يرجّح أنّ أيدكين أنشأها لزوجته، وتتميّز بشبابيكها وزخارفها الجصّيّة الموجودة برقبة القبّة والتي تعدّ من أدقّ نماذج الزّخارف الجصّيّة التي وصلت إلينا. (أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ٣٦٥: ٧ هـ ١؛ علي مبارك: الخطط التوفيقية ٤٣: ٦ - ٤٤ (١٦ - ١٧)؛؛ Creswell، K.A.C.، MAE II، pp. ١٨٥ - ٨٨ سعاد ماهر: مساجد مصر ٥٢: ٣ - ٥٤؛ عاصم محمد رزق: خانقاوات الصوفية في مصر ١٥٩: ١ - ١٧١؛ أطلس العمارة الإسلامية ١٠٧: ٢ - ١٢٨).