والخضريين، وكثير من بيّاعي الأمتعة. حتى إنّه كان به حانوت لا يباع فيه إلاّ حوائج المائدة، وهي البقل والكرّاث والشّمار والنّعناع، وحانوت لا يباع فيه إلاّ الشّيرج والقطن فقط برسم تعمير القناديل التي تسرج في اللّيل. وسمعت من أدركت أنّه كان يشتري من هذا الحانوت في كلّ ليلة شيرج ممّا يوضع في القناديل بثلاثين درهما فضّة، عنها يومئذ دينار ونصف. وكان يوجد بهذا السّوق لحم الضأن النّيء والمطبوخ إلى ثلث اللّيل الأوّل ومن قبل طلوع الفجر بساعة.
وقد خرب أكثر حوانيت هذا السّوق ولم يبق لها أثر، وتعطّل بأسره بعد سنة ستّ وثمان مائة، وصار أوحش من وتد في قاع، بعد أن كان الإنسان لا يستطيع أن يمرّ فيه من ازدحام النّاس ليلا ونهارا إلاّ بمشقّة. وكان فيه قبّاني برسم وزن الأمتعة والمال والبضائع لا يتفرّغ من الوزن، ولا يزال مشغولا به ومعه من يستحثّه ليزن له.
فلمّا كان بعد سنة عشر وثمان مائة، أنشأ الأمير طوغان الدّوادار بهذا السّوق مدرسة، وعمّر ربعا وحوانيت (١)، فتحابى بعض الشيء، وقبض على طوغان في سنة ستّ عشرة وثمان مائة ولم تكمل عمارة السّوق، وفيه الآن بقيّة يسيرة.
سوق الشّمّاعين
هذا السّوق من الجامع الأقمر إلى سوق الدّجّاجين، كان يعرف في الدّولة الفاطمية بسوق القمّاحين، وعنده بنى المأمون بن البطائحي الجامع الأقمر باسم الخليفة الآمر بأحكام اللّه، وبنى تحت الجامع دكاكين ومخازن من جهة باب الفتوح (٢).
وأدركت سوق الشّمّاعين من الجانبين معمور الحوانيت بالشّموع الموكبية والفانوسية والطّوّافات، لا تزال حوانيته مفتحة إلى نصف اللّيل. وكان يجلس به في اللّيل بغايا يقال لهن «زعيرات الشّمّاعين»(٣) لهن سيما يعرفن بها وزيّ يتميّزن به، وهو لبس الملاءات الطّرح وفي
(١) الأمير سيف الدّين طوغان الحسني الدّوادار الكبير، كان يعرف بالمجنون، المتوفى سنة ٨١٨ هـ/ ١٤١٥ م. (ابن حجر: إنباء الغمر ٨١: ٣؛ الصيرفي: نزهة النفوس ٣٥٩: ٢ - ٣٦٠؛ أبو المحاسن: المنهل الصافي ١٨: ٧ - ٢١ (وفيه: وهو صاحب المدرسة برأس حارة برجوان بالشارع، والرّبع والدّار بحارة بهاء الدّين)؛ السخاوي: الضوء اللامع ١١: ٤). (٢) فيما يلي ٢٩٠: ٢. (٣) الزّعارة: الشّراسة، والزّعر: الجماع. (الفيروز أبادي: القاموس المحيط ٥١٢).