للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يسافر في أرض مصر لا يحتاج إلى زاد لكثرة الفواكه والخيرات، ولا يسير إلاّ في ظلال تستره من الشّمس. وعمل في تلك الصّحاري قصورا، وغرس فيها غروسا، وساق إليها من النّيل أنهارا، فكان يسلك من الجانب الغربي إلى حدّ الغرب في عمارة متّصلة. فلمّا انقرض أولئك القوم بقيت آثارهم في تلك الصّحاري، وخربت تلك المنازل، وباد أهلها. ولا يزال من دخل تلك الصّحاري يحكي ما رآه فيها من الآثار والعجائب (١).

قال مؤلّفه: حدّثني الثّقة عمّن دخل مدينة صا ومشى في خرابها (٢)، فإذا هو بلبنة طولها أربعة أشبار، فتناولها وأخذ يتأمّلها، ثم كسرها، فإذا فيها سنبلة قدر شبر وافر كأنّها كما حصدت، وفركها بيده، فخرج منها قمح أبيض كبار حبّه جدّا، في قدر حب اللّوبيا، فأكله كلّه فلم يجد فيه تغيرا.

ودخل آخر إليها قبيل سنة تسعين وسبع مائة، وأخذ منها لبنة طولها ذراع ونصف في عرض ذراع، فكسرها، فإذا فيها سنبلة قمح ثخن كلّ قمحة منها في مقدار ما يكون أكبر من الحمّص، فلم يطق كسره إلاّ بعدما رضّه بالحجارة رضّا.

ووجد بصا صنم لطيف طوله أصبع، فاتّفق أنّه ألقي في خابية ماء فصار خمرا؛ وكان ذلك عند رجل من تنّيس، فصلحت حاله من بيعه ذلك الخمر. فطلبه الأمير الأوحد مستولي تنّيس، ومازال به حتى أخذ الصّنم منه.

رمل الغرابي (٣)

اعلم أنّ هذا الرّمل ممتدّ في الأرض، ويسمّيه بعضهم الرّمل الهبير، وطوله من وراء جبل طيّ إلى أن يتّصل مشرقا بالبحر، ويمضي من وراء جبل طيّ إلى أرض مصر، ثم إلى بلد النّوبة، ويمتدّ إلى البحر المحيط مسيرة خمسة أشهر.


(١) النويري: نهاية الأرب ٨١: ١٥ - ٨٢.
(٢) صا. مدينة قديمة كانت تقع في الحوف الغربي لمصر تعد من أعمال الغربية. أطلق عليها في العهد العثماني صا الحجر نسبة إلى ما تخلّف من أطلالها من بقايا أحجار معبدها القديم، وتقع اليوم بمركز كفر الزيات بمحافظة الغربية (ياقوت: معجم البلدان ٣٨٧: ٣؛ محمد رمزي: القاموس الجغرافي ٢/ ١٢٦: ٢؛ ١١٦ .. (Maspero & Wiet، Materiaux p
(٣) كانت الغرابي أحد محطّات البريد بين مصر وغزّة غربي بلدة قطيا (قطية)، ومكانها اليوم حوض أبو غرب في رمال دبة الغرابيات الواقعة جنوبي آثار مدينة الفرما وعلى بعد ١١ كيلومترا منها داخل محافظة شمال سيناء. (ياقوت: معجم البلدان ١٩٠: ٤؛ محمد رمزي: القاموس الجغرافي ٨٩: ١).