للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومنه عرق يضرب من القادسيّة إلى البحرين، فيعبر البحرين، فيمرّ على مشارق خوزستان وفارس إلى أن يرد سجستان، ويمرّ مشرّقا إلى مرو آخذا على جيحون في برّيّة خوارزم، ويأخذ في بلاد الحزلجيّة (a) إلى الصّين والبحر المحيط في جهة الشّرق؛ وهو، على ما وصفته وسقته، من المحيط بالمشرق إلى المحيط بالمغرب، وفيه جبال عظام لا ترتقى، وبعضه في أرض سهلة ينتقل من مكان إلى مكان، ومنه أصفر ليّن اللّمس، وأحمر قاني (b) وأزرق سماوي، وأسود حالك، وأكحل مشبّع كالنّيل، وأبيض كالثّلج، ومنه ما يحكي الغبار نعومة، ومنه خشن جريش اللّمس.

وزعم بعضهم أنّ رمل الغرابي/ وما يتّصل به من حدّ العريش إلى أرض العبّاسة، حادث.

وذكر في سبب كونه خبر فيه معتبر، وهو أنّ شدّاد بن هدّاد بن شدّاد بن عاد، أحد الملوك العادية، قدم إلى مصر وغلب بكثرة جيوشه أشمون (c) بن مصر بن بيصر بن حام بن نوح ملك مصر، وهدم ما بناه هو وآباؤه، وبنى لنفسه أهراما، ونصب أعلاما زبر عليها الطّلّسمات، واختطّ موضع الإسكندرية؛ وأقام هناك دهرا إلى أن نزل به وبقومه وباء، فخرجوا من أرض مصر إلى جهة وادي القرى، فيما بين المدينة النّبويّة وأرض الشّام، وعمّروا الملاعب والمصانع لحبس المياه التي تجتمع من الأمطار والسّيول، فكان سعة كلّ مصنع ميلا في ميل، وغرسوا النّخل وغيره، وزرعوا أصناف الزّراعات فيما بين راية وأيلة إلى البحر الغربي.

وامتدّت منازلهم من الدّثنية إلى العريش والجفار، في أرض سهلة ذات عيون تجري وأشجار مثمرة وزروع كثيرة، فأقاموا بهذه الأرض دهرا طويلا، حتى عتوا وبغوا وتجبّروا وطغوا، وقالوا:

نحن الأكثرون قوّة الأشدّون الأغلبون؛ فسلّط اللّه عليهم الرّيح فأهلكتهم، ونسفت مصانعهم وديارهم حتى سحلتها رملا (١).

فما تراه من هذه الرّمال التي بأرض الجفار - ما بين العبّاسة حيث المنزلة التي تعرف اليوم بالصّالحيّة إلى العريش - من رمل مصانع العادية وسحّالة صخورهم، لمّا أهلكهم اللّه بالرّيح، ودمّرهم تدميرا. وإيّام وإنكار ذلك لغرابته، ففي القرآن الكريم ما يشهد لصحّته، قال تعالى:


(a) الأصل: الخولنجية.
(b) ساقطة من بولاق.
(c) الأصل: أشمن.
(١) قارن مع النويري: نهاية الأرب ٧١: ١٥.