وكان من عرب طيّئ في عصر الخليفة الآمر طرّاد بن مهلهل، فلمّا بلغه قضيّة الآمر مع العالية البدويّة قال:
[المتقارب]
ألا أبلغوا الآمر المصطفى … مقال طرّاد ونعم المقال
قطعت الأليفين عن ألفة … بها سمر الحيّ بين الرّجال
كذا كان آباؤك الأكرمون (a) … سألت فقل لي جواب السّؤال
فلمّا بلغ الآمر شعره، قال: جواب السّؤال قطع لسانه على فضوله. وأمر بطلبه في أحياء العرب، ففرّ ولم يقدر عليه، فقالت العرب: ما أخسر صفقة طرّاد، باع أبيات الحيّ بثلاثة أبيات (١)!
ولم يزل الآمر يتردّد إلى الهودج بالرّوضة للنّزهة فيه، إلى أن ركب من القصر بالقاهرة يريد الهودج، في يوم الثلاثاء رابع ذي القعدة سنة أربع وعشرين وخمس مائة، فلمّا كان برأس الجسر وثب عليه قوم من النّزاريّة، قد كمنوا له في فرن تجاه رأس الجسر بالرّوضة، وضربوه بالسّكاكين حتى أثخنوه، وجرحوا جماعة من خدّامه، فحمل إلى منظرة اللّؤلؤة بشاطئ الخليج وقد مات (٢).
ذكر قلعة الرّوضة -
اعلم أنّه ما برحت جزيرة الرّوضة متنزّها ملوكيّا ومسكنا للنّاس، كما تقدّم ذكره، إلى أن ولي الملك الصّالح نجم الدّين أيّوب ابن الملك الكامل محمد ابن الملك العادل أبي بكر بن أيّوب سلطنة مصر، فأنشأ القلعة بالرّوضة، فعرفت ب «قلعة المقياس» وب «قلعة الرّوضة» وب «قلعة الجزيرة» وب «القلعة الصّالحيّة».
وشرع في حفر أساسها يوم الأربعاء خامس شعبان، وابتدأ بنيانها في آخر السّاعة الثالثة من يوم الجمعة سادس عشره (٣). وفي عاشر ذي القعدة وقع الهدم في الدّور والقصور والمساجد التي كانت
(a) بولاق: الأقدمون. (١) فيما تقدم ٥٧٧: ٢ - ٥٧٨. (٢) حول تفاصيل مقتل الآمر، انظر المراجع المذكورة فيما تقدم ٥٨٠: ٢ هـ ١، وابن دقماق: الانتصار ١١٦: ٤. (٣) وذلك من سنة ٦٣٨ هـ/ ١٢٤٠ م. (ابن واصل: مفرج الكروب ٢٧٨: ٥؛ المقريزي: السلوك ٣٠١: ١؛ أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ٣٢٠: ٦).