فرضنا خطّا خرج من محاريب مصر الصّحيحة التي وضعها الصّحابة، ومرّ على استقامة من غير ميل ولا انحراف، لاتّصل بالكعبة ولصق بها.
واعلم أنّ أهل مصر والإسكندرية وبلاد الصّعيد وأسفل الأرض وبرقة وإفريقيّة وطرابلس المغرب وصقلّيّة والأندلس وسواحل المغرب إلى السّوس الأقصى والبحر المحيط، وما على/ سمت هذه البلاد، يستقبلون في صلاتهم من الكعبة ما بين الرّكن الغربي إلى الميزاب.
فمن أراد أن يستقبل الكعبة في شيء من هذه البلاد، فليجعل بنات نعش إذا غربت خلف كتفه الأيسر، وإذا طلعت على صدغه الأيسر، ويكون الجدي على أذنه اليسرى، ومشرق الشّمس تلقاء وجهه، أو ريح الشّمال خلف أذنه اليسرى، أو ريح الدّبور خلف كتفه الأيمن، أو ريح الجنوب التي تهبّ من ناحية الصّعيد على عينه اليمنى، فإنّه حينئذ يستقبل من الكعبة سمت محاريب الصّحابة الذين أمرنا اللّه باتّباع سبيلهم، ونهانا عن مخالفتهم بقوله ﷿:
﴿وَمَنْ يُشاقِقِ اَلرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ اَلْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ اَلْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً﴾ [الآية ١١٥ سورة النساء]. ألهمنا اللّه بمنّه اتّباع طريقهم، وصيّرنا بكرمه من حزبهم وفريقهم. إنّه على كلّ شيء قدير.
الجامع بالعسكر (a)
هذا الجامع ظاهر مصر (b)، وهو حيث الفضاء الذي هو اليوم فيما بين جامع أحمد ابن طولون وكوم الجارح بظاهر مدينة مصر، وكان إلى جانب الشّرطة والدّار التي يسكنها أمراء مصر، ومن هذه الدّار إلى الجامع باب، وكان يجمع فيه الجمعة، وفيه منبر ومقصورة (١).
وهذا الجامع بناه الفضل بن صالح بن عليّ بن عبد اللّه بن عبّاس (٢)، في ولايته إمارة مصر، ملاصقا لشرطة العسكر - التي كان يقال لها الشّرطة العليا - في سنة تسع وستين ومائة فكانوا يجمعون فيه.
(a) بولاق: جامع العسكر. (b) بولاق: بظاهر مصر. (١) انظر أبا المحاسن: النجوم الزاهرة ٣٢٦: ١، ٦١: ٢؛ Fu'a? d Sayyid، A.، La capitale de I'E? gypte، pp. ٣٢ - ٣٤. (٢) انظر الكندي: ولاة مصر ١٥٢ - ١٥٤، وفيما تقدم ٦٦: ٢.