هذه القبّة تجاه المدرسة المنصورية، وهما جميعا من داخل باب المارستان المنصوري، وهي من أعظم المباني الملوكية وأجلّها قدرا وبها قبر تضمّن الملك المنصور سيف الدّين قلاوون، وابنه الملك الناصر محمد بن قلاوون، والملك الصّالح عماد الدّين إسماعيل بن محمد بن قلاوون (١).
وبها قاعة جليلة في وسطها فسقيّة يصل إليها الماء من فوّارة بديعة الزّيّ، وسائر هذه القاعة مفروش بالرّخام الملوّن. وهذه القاعة معدّة لإقامة الخدّام الملوكية، الذين يعرفون اليوم في الدّولة التركية ب «الطواشيّة» واحدهم طواشي، وهذه لفظة تركية أصلها بلغتهم «طابوشي»، فتلاعبت بها العامّة وقالت: طواشي وهو الخصيّ (٢).
ولهؤلاء الخدّام في كلّ يوم ما يكفيهم من الخبز النقي واللحم المطبوخ، وفي كلّ شهر من المعاليم الوافرة ما فيه غنية لهم. وأدركتهم ولهم حرمة وافرة، وكلمة نافذة، وجانب مرعي، ويعد شيخهم من أعيان الناس يجلس على مرتبة، وبقية الخدّام في مجالسهم لا يبرحون في عبادة. وكان يستقرّ في وظائف هذه الخدمة أكابر خدّام السّلطان، ويقيمون عنهم نوّابا يواظبون الإقامة بالقبّة، ويرون - مع سعة أحوالهم، وكثرة أموالهم - من تمام فخرهم وكمال سيادتهم، انتماءهم إلى خدمة القبّة المنصوريّة، ثم تلاشى الحال بالنسبة إلى ما كان، والخدّام بهذه القاعة إلى اليوم (٣).
(١) راجع عن القبّة المراجع المذكورة في الهامش السابق، وأضف إليها، Meinecke، M.، «Das Mausoleum des Qala'un in Kairo Untersuchungen zur Genese der mamlukischen Architeketekoration»،؛ MDAIK ٢٧ (١٩٧١)، pp. ٤٧ - ٨٠ آمال العمري: «دراسة جديدة على ضريح المنصور قلاوون بالنحاسين (٦٨٣ - ٦٨٤ هـ/ ١٢٨٤ - ١٢٨٥ م)»، دراسات آثارية إسلامية ٣ (١٩٨٨)، ٤٧ - ٦١؛ محمد حمزة الحداد: السلطان المنصور قلاوون ١٤٠ - ١٥٩. (٢) انظر معنى لفظ طواشي في العصر الأيّوبي. (فيما تقدم ٢٣٢: ١ هـ ٣)؛ وانظر كذلك الظاهري: زبدة كشف الممالك ١٢٢. (٣) انظر كذلك فيما يلي ١٢: ٧٠١ - ١٦.