للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدّعوة التّاسعة -

هي النّتيجة التي يحاول الدّاعي، بتقرير جميع ما تقدّم، رسوخها في نفس من يدعوه. فإذا تيقّن أنّ المدعو تأهّل لكشف السّرّ والإفصاح عن الرّموز، أحاله على ما تقرّر في كتب الفلاسفة من علم الطّبيعيات وما بعد الطّبيعة والعلم الإلهي، وغير ذلك من أقسام العلوم الفلسفية؛ حتى إذا تمكّن المدعو من معرفة ذلك، كشف الدّاعي قناعه وقال: ما ذكر من الحدوث والأصول رموز إلى معاني المبادي وتقلّب الجواهر، وإنّ الوحي إنّما هو صفاء النّفس، فيجد النّبيّ في فهمه ما يلقى إليه ويتنزّل عليه، فيبرزه إلى النّاس، ويعبّر عنه بكلام اللّه الذي ينظم به النّبيّ شريعته، بحسب ما يراه من المصلحة في سياسة الكافّة.

ولا يجب حينئذ العمل بها إلاّ بحسب الحاجة من رعاية مصالح الدّهماء، بخلاف العارف فإنّه لا يلزمه العمل بها، ويكفيه معرفته فإنّها اليقين الذي يجب المصير إليه، وما عدا المعرفة من سائر المشروعات، فإنّما هي أثقال وآصار حملها الكفّار أهل الجهالة لمعرفة الأعراض والأسباب.

ومن جملة المعرفة عندهم أنّ الأنبياء النّطقاء أصحاب الشّرائع إنّما هم لسياسة العامّة، وأنّ الفلاسفة أنبياء حكمة الخاصّة، وأنّ الإمام إنّما وجوده في العالم الرّوحاني إذا صرنا بالرّياضة في المعارف إليه، وظهوره الآن إنّما هو ظهور أمره ونهيه على لسان أوليائه، ونحو ذلك ممّا هو مبسوط في كتبهم وهذا حاصل علم الدّاعي، ولهم في ذلك مصنّفات كثيرة منها اختصرت ما تقدّم ذكره.

ابتداء هذه الدّعوة

اعلم أنّ هذه الدّعوة منسوبة إلى شخص كان بالعراق يعرف بميمون القدّاح، وكان من غلاة الشّيعة. فولد ابنا عرف بعبد اللّه بن ميمون، اتّسع علمه/، وكثرت معارفه، وكاد أن يطّلع على جميع مقالات الخليفة، فرتّب له مذهبا، وجعله في سبع دعوات، ودعا النّاس إلى مذهبه، فاستجاب له خلق، وكان يدعو إلى الإمام محمّد بن إسماعيل، وظهر من الأهواز ونزل بعسكر مكرم، فصار له مال واشتهرت دعاته، فأنكر النّاس عليه وهمّوا به، ففرّ إلى البصرة ومعه من أصحابه الحسين الأهوازي.

فلمّا انتشر ذكره بها طلب، فصار إلى بلاد الشّام وأقام بسلميّة، وبها ولد له ابنه أحمد، فقام من بعد أبيه عبد اللّه بن ميمون، فسيّر الحسين الأهوازي داعية له إلى العراق، فلقي حمدان بن الأشعث المعروف بقرمط بسواد الكوفة، فدعاه واستجاب له، وأنزله عنده. وكان من أمره ما هو مذكور في أخبار القرامطة من كتابنا هذا، عند ذكر المعزّ لدين اللّه معدّ.