قال ابن رضوان في شرح الأربع (١): وقد يحتاج أمر النّيل إلى شروط: منها أن تكون الأمطار متوالية في نواحي الجنوب قبل مدّه وفي وقت مدّه، ولذلك وجب أن يكون النّيل - متى كانت الزّهرة وعطارد مقترنين في مدخل الصّيف - كثير الزّيادة لرطوبة الهواء، ومتى كان المرّيخ أو بعض المنازل في ناحية الجنوب في مدخل الرّبيع/ أو الصّيف، كان قليلا لقلّة الأمطار في تلك الناحية.
ومنها أن تكون الرّياح شمالية لتوقف جريه، فأمّا الجنوبية فإنّها تسرع انحداره ولا تدعه يلبث. فإذا علمت ما يكون في ناحية الجنوب من كثرة الأمطار أو قلّتها، وفي ناحية مصر من هبوب الرّياح في فصلي الرّبيع والصّيف، فقد علمت حال النّيل كيف يكون، وتعلم من حاله ما يعرض بمصر من الخصب والقحط (a).
وقال ابن يونس المنجّم (٢) عن بطلميوس: إذا أردت أن تعلم مقدار النّيل في الزيادة والنّقصان، فانظر حين تحلّ الشّمس برج السّرطان إلى الزّهرة وعطارد والقمر: فإن كانت أحوالها جيّدة وهي برية من النّحوس، فالنّيل يمتدّ وتبلغ الحاجة به؛ وإن كانت أحوالها بخلاف ذلك وهي ضعيفة، فانكس القول، فإن ضعف بعضها وصلح البعض، توسّط الحال في النّيل. والضابط أنّ قوّة الثلاثة تدلّ على تمام النّيل، وضعفها على توسّطه، وانتحاسها أو احتراقها أو وقوعها في بعدها الأبعد من الأرض على النّقص وأنّه قليل جدّا، إلاّ أنّ احتراق الزّهرة في برج الأسد يستنزل الماء من الجنوب.
وقال أبو معشر (٣): ينظر عند انتقال الشّمس إلى برج السّرطان للزّهرة وعطارد والقمر: فإن كانت في سيرها الأكبر فإنّ زيادة النّيل عظيمة، وإن كانت في سيرها الأوسط فاعرف كم أكثر
(a) بولاق: الجدب. (١) عن هذا الكتاب انظر فيما تقدم ١٢٦. (٢) ابن يونس المنجم، أبو الحسن علي بن عبد الرحمن ابن أحمد بن يونس بن عبد الأعلى الصدفي المصري المتوفى سنة ٣٩٩ هـ/ ١٠٠٩ م، ألف للحاكم بأمر اللّه الفاطمي كتاب «الزيج الحاكمي» الذي اشتهر به (صاعد الأندلسي: التعريف بطبقات الأمم ٢٣١؛ ابن خلكان: وفيات الأعيان ٤٢٩: ٣ - ٤٣١؛ الذهبي: سير أعلام النبلاء ١٠٩: ١٧ - ١١٠؛ الصفدي: الوافي بالوفيات ٢٢٦: ١٩؛ كراتشكوفسكي: تاريخ الأدب الجغرافي ١٢٢ - ١٢٤؛ Goltstein، B.R.،.El ٢? art.Ibn Yu? nus III pp. ٩٦٩ - ٧٠ (٣) أبو معشر جعفر بن محمد بن عمر البلخي، أحد المنجمين العرب، عرفه الغربيون في العصور الوسطى باسم