للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والأصل في تسميتهم «نصارى» أنّ عيسى بن مريم لمّا ولدته أمّه مريم ابنة عمران ببيت لحم، خارج مدينة بيت المقدس، ثم سارت به إلى أرض مصر وسكنتها زمانا، ثم عادت به إلى أرض بني إسرائيل قومها، نزلت قرية الناصرة. فنشأ عيسى بها، وقيل له يسوع الناصري (١).

فلمّا بعثه اللّه تعالى رسولا إلى بني إسرائيل، وكان من شأنه ما ستراه إلى أن رفعه اللّه إليه، تفرّق الحواريّون - وهم الذين آمنوا به - في أقطار الأرض يدعون الناس إلى دينه، فنسبوا إلى ما نسب إليه نبيّهم عيسى بن مريم، وقيل لهم «الناصريّة»، ثم تلاعب العرب بهذه الكلمة وقالوا:

«نصارى» (٢).

قال ابن سيده: ونصريّ ونصري (a) وناصرة ونصوريّة: قرية بالشّام، والنصارى منسوبون إليها. هذا قول أهل اللغة، وهو ضعيف إلاّ أنّ نادر النسب يسعه (b). وأمّا سيبويه فقال: أمّا النصارى فذهب الخليل إلى أنّه جمع نصريّ ونصران، كما قالوا: ندمان وندامى، ولكنهم حذفوا إحدى الياءين كما حذفوا من أثفيّة، وأبدلوا مكانها ألفا. قال: وأمّا الذي نوجّهه نحن عليه فإنّه جاء على نصران، لأنّه قد تكلّم به، فكأنّك جمعت وقلت نصارى كما قلت ندامى، فهذا أقيس، والأوّل مذهب، وإنّما كان أقيس لأنّا لم نسمعهم قالوا نصريّ.

والتّنصّر: الدخول في دين النصرانيّة، ونصّره: جعله كذلك. والأنصر: الأقلف، وهو من ذلك؛ لأنّ النصارى قلف (٣).

وفي «شرح الإنجيل» أنّ معنى قرية ناصرة: الجديدة، والنصرانية: التّجدّد، والنصراني:

المجدّد. وقيل نسبوا إلى نصران، وهو من أبنية المبالغة، ومعناه أنّ هذا الدّين في غير عصابة صاحبه، فهو دين من ينصره من أتباعه.


(a) ساقطة من بولاق.
(b) بولاق: يسنيعه.
(١) سعيد بن البطريق: التاريخ المجموع ٩١: ١، ونشرة Breydy ٤٨؛ ساويرس بن المقفع: كتاب المجامع ١٤٠.
(٢) وردت كلمة «نصارى» خمس عشرة مرّة في القرآن الكريم، وهي الكلمة التي تستخدمها المصادر العربية الإسلامية لتعريف أتباع الدّيانة المسيحية. أمّا كلمة «مسيحي» ج. مسيحيّون فلم تظهر إلاّ ابتداء من القرن السّادس الهجري/ الثاني عشر الميلادي وفي أوساط المسيحيين أنفسهم فقط. (السمعاني: الأنساب ٥٣٠ ظ). وراجع مناقشة تاريخ استخدام هذه الكلمة في المصادر العربية المختلفة في مقال Fiey، J.M.، El ٢ art.Nasara VII، pp. ٩٧٠ - ٧٤.
(٣) ابن سيده: المحكم والمحيط الأعظم ١٩٩: ٨ - ٢٠٠.