للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإذا تقرّر هذا، فاعلم أنّ المسيح - روح اللّه وكلمته ألقاها إلى مريم - هو «عيسى» (١). وأصل اسمه بالعبرانية - التي هي لغة أمّه وآبائها - إنّما هو «ياشوع»، وسمّته النصارى «يسوع»، وسمّاه اللّه تعالى - وهو أصدق القائلين - «عيسى» ومعنى يسوع في اللغة السّريانية: المخلّص، قاله في «شرح الإنجيل».

ونعته بالمسيح، وهو الصّدّيق، وقيل لأنّه كان لا يمسح بيده صاحب عاهة إلاّ برأ، وقيل: لأنّه كان يمسح رؤوس اليتامى، وقيل لأنّه خرج من بطن أمّه ممسوحا بالدّهن، وقيل لأنّ جبريل مسحه بجناحه عند ولادته صونا له من مسّ الشّيطان.

وقيل المسيح اسم مشتقّ من المسح، أي الدّهن؛ لأنّ روح القدس قام بجسد عيسى مقام الدّهن الذي كان عند بني إسرائيل يمسح به الملك ويمسح به الكهنوت، وقيل لأنّه مسح بالبركة، وقيل لأنّه أمسح الرّجلين ليس لرجليه أخمص، وقيل لأنّه يمسح الأرض بسياحته لا يستوطن مكانا، وقيل هي كلمة عبرانيّة أصلها «ماسيح»، فتلاعبت بها العرب وقالت: «مسيح» (٢).

وكان من خبره أنّ مريم ابنة عمران، بينا هي في محرابها، إذ بشّرها اللّه تعالى بعيسى، فخرجت من بيت المقدس وقد اغتسلت من المحيض، فتمثّل لها الملك بشرا في صورة يوسف بن يعقوب النجّار - أحد خدّام القدس - فنفخ في جيبها، فسرت النفخة إلى جوفها، فحملت بعيسى كما تحمل النساء بغير ذكر، بل حلّت نفخة الملك منها محلّ اللقاح، ثم وضعت بعد تسعة أشهر - وقيل بل وضعت في يوم حملها - بقرية بيت لحم من عمل مدينة القدس، في يوم الأربعاء خامس عشرين كانون الأوّل، وتاسع عشرين كيهك، سنة تسع عشرة وثلاث مائة للإسكندر (٣).

فقدمت رسل ملك فارس في طلبه، ومعهم هديّة له فيها ذهب ومرّ ولبان، فتطلّبه (a) هيردوس - ملك اليهود بالقدس - ليقتله وقد أنذر به. فسارت أمّه مريم به، وعمره سنتان، على حمار


(a) بولاق: فطلبه.
(١) عيسى بن مريم، هو الاسم الذي استخدمه القرآن الكريم للحديث عن يسوع المسيح، وقد ورد في خمس عشرة سورة وخصّص له فيها ثلاث وتسعون آية، هي أساس المفهوم الإسلامي للمسيحية. (راجع Anawati G.C.، El ٢ art.c Isa IV، pp. ٨٥ - ٩٠ وما ذكر من مراجع).
(٢) السمعاني: الأنساب ٥٣٠ ظ؛ القلقشندي: صبح الأعشى ٢٨١: ١٣.
(٣) سعيد بن البطريق: التاريخ المجموع ٨٩: ١، ونشرة Breydy ٤٦.