للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومعها يوسف النجّار، حتى قدموا إلى أرض مصر، فسكنوها مدّة أربع سنين، ثم عادوا وعمر عيسى ستّ سنين، فنزلت به مريم قرية الناصرة من جبل الجليل فاستوطنتها.

فنشأ بها عيسى حتى بلغ ثلاثين سنة، فسار هو وابن خالته يحيى بن زكريا إلى نهر الأردن، فاغتسل عيسى فيه، فحلّت عليه النبوّة (١). فمضى إلى البرّيّة، وأقام بها أربعين يوما لا يتناول طعاما ولا شرابا، فأوحى اللّه إليه بأن يدعو بني إسرائيل إلى عبادة اللّه تعالى، فطاف القرى، ودعا الناس إلى اللّه تعالى، وأبرأ الأكمه والأبرص، وأحيا الموتى بإذن اللّه، وبكّت اليهود، وأمرهم بالزّهد في الدّنيا والتّوبة من المعاصي (٢).

فآمن به الحواريّون - وكانوا قوما صيّادين - وقيل قصّارين، وقيل ملاّحين - وعددهم اثنا عشر رجلا (٣) وصدّقوا بالإنجيل الذي أنزله اللّه تعالى عليه، وكذّبه عامّة اليهود وضلّلوه، واتّهموه بما هو برئ منه. فكانت له ولهم عدّة مناظرات آلت بهم إلى أن اتّفق أحبارهم على قتله، وطرقوه ليلة الجمعة، فقيل إنّه رفع عند ذلك، وقيل بل أخذوه وأتوا به إلى بلاطس البنطي [Pilatus] (a) - شحنة القدس من قبل الملك طيباريوس قيصر [Tiberius] - وراودوه على قتله وهو يدفعهم عنه، حتى غلبوه على رأيه بأنّ دينهم اقتضى قتله، فأمكنهم منه (٤).

وعندما أدنوه من الخشبة ليصلبوه، رفعه اللّه إليه - وذلك في السّاعة السّادسة من يوم الجمعة خامس عشر شهر نيسن، وتاسع عشرين شهر برمهات، وخامس عشر شهر آذار (٥)، وسابع عشر/ شهر ذي القعدة - وله من العمر ثلاث وثلاثون سنة وثلاثة أشهر. فصلبوا الذي شبّه لهم، وصلبوا معه لصّين، وسمّروهم بمسامير الحديد، واقتسم الجند ثياب المصلوب. فغشيت الأرض ظلمة دامت ثلاث ساعات حتى صار النهار شبه الليل، ورئيت


(a) بولاق: النبطي.
(١) سعيد بن البطريق: التاريخ المجموع ٩١: ١، ونشرة Breydy ٤٨.
(٢) ساويرس بن المقفع: كتاب المجامع ١٤٠ - ١٤١.
(٣) وهم: سمعان الذي يقال له بطرس، وأندراوس أخوه، ويعقوب بن زبدي، ويوحنّا أخوه، وفيلبّس، وبرثولماوس، وتوما، ومتّى العشّار، ويعقوب بن حلفا، ولبّاؤس الملقّب تدّاؤس، وسمعان الفناوي، ويهوذا الإسخريوطي الذي أسلمه. (إنجيل متى ١/ ١٠ - ٤).
(٤) ساويرس بن المقفع: كتاب المجامع ١٦٣؛ سعيد ابن البطريق: التاريخ المجموع ٩١: ١، ٩٢، ونشرة Breydy ٤٨.
(٥) ورد التاريخ عند سعيد بن البطريق: الجمعة ثلاثة وعشرين من آذار، وسبع وعشرين يوما من برمهات.