جست Rueven Guest، تنبّه إلى أهمية هذا الكتاب وضرورة إخراج نشرة علمية تصحّح أخطاءه وتقدّم نصّا نقيا سليما للكتاب واحد من أعلم النّاس بتاريخ مصر الإسلامية هو المستشرق الفرنسي الراحل جاستون قييت Gaston Wiet (١٨٨٧ - ١٩٧١ م) الذي بدأ في عام ١٩١١ مشروعا لإخراج نشرة كاملة محقّقة للكتاب ولكنه لم ينجز منها سوى نشرة جزئية في خمسة أجزاء تعادل الصفحات من ١ إلى ٣٢٢ من الجزء الأوّل من طبعة بولاق. ففي عام ١٩٢٧ أوقف قييت مشروعه عندما اكتشف وجود عدد ضخم من مخطوطات «الخطط» وقدّر أنّ إنجاز هذا العمل يتطلّب تعاون فريق من المتخصّصين.
وأثناء اشتغالي بنشر مصادر تاريخ مصر في العصر الفاطمي التي أخرجت منها نصوصا لكلّ من المسبّحي وابن ميسّر وابن المأمون وابن الطّوير وابن الصّيرفي، وكذلك أثناء إعداد أطروحتي في جامعة باريس عن «تاريخ العاصمة المصرية وطبوغرافيتها في زمن الفاطميين» كان كتاب «الخطط» للمقريزي مصدرا لا غنى عنه لي في تقويم هذه النّصوص واستكمالها، كما أنّه بفضل المعلومات الغنيّة التي وفّرها لنا المقريزي والتي لا نجدها في أى مصدر آخر، لم يكن من الممكن لدراستي عن العاصمة المصرية أن تتحقّق على الوجه الأكمل. وقد تمكّنت من خلال هذه النّصوص ومن مصادر المقريزي التي وصلت إلينا والمصادر الموازية الأخرى أن أصحّح الكثير من الأخطاء والأوهام التي تسرّبت إلى طبعة بولاق.
وعندما درست مسوّدة المقريزي لجزء من كتاب «الخطط»، المحفوظة في مكتبة خزينة بمتحف طوبقبو سراي باستامبول، وجدت الضّبط الصّحيح والتّصويب الكامل لكلّ الأخطاء والأوهام التي تسرّبت إلى طبعة بولاق. ورغم أنّ هذه المسوّدة تمثّل الشّكل الأوّل لتصوّر المقريزي لتأليفه للخطط وتختلف اختلافا كبيرا في ترتيبها ومصادرها وحجم المعلومات الذي تقدّمه لنا عن الإخراج الأخير للكتاب، فقد حرصت على نشرها كما هي لأنّها تعدّ نصّا من النّصوص القليلة التي وصلت إلينا والتي تفيدنا في التّعرّف على أسلوب القدماء في التأليف. فرغم أنّه وصل إلينا عدد من المؤلّفات بخطوط مؤلّفيها فإنّه نادرا ما وصلت إلينا مسوّدات المؤلّفين (١). ومن حسن الحظ فقد وجدت في متحف طويقبو سراي أيضا قسما آخر من مسوّدة الخطط يكمل القسم الذي نشرته سنة ١٩٩٥، سأشير إليه فيما يلي عند حديثي عن وصف النّسخ المستخدمة في النّشر.
(١) انظر كتابي، الكتاب العربي المخطوط وعلم المخطوطات ٣٣١ - ٣٦٨.