وفي مصر كان هذا الكتاب من أوائل الكتب التي أخرجتها مطبعة بولاق التي أصدرت طبعة كاملة له في سنة ١٢٧٠ هـ/ ١٨٥٣ م، وهي نشرة لا تستحق دائما ثقة كاملة برغم الجهد الواضح الذي بذله مصحّحها الشيخ محمد عبد الرحمن قطّة العدوي المتوفى سنة ١٢٨١ هـ/ ١٨٦٤ م، فنحن لا نعرف الأصول التي اعتمدت عليها (١) مثل بقيّة الكتب التي أخرجتها مطبعة بولاق القديمة، وجاءت مليئة بالأخطاء والتّصحيف والسّقط الذي وجد في أصولها المعتمد عليها والتي حاول مصحّحها تصويبه قدر الطّاقة أو الإشارة إليه. ومع ذلك فما تزال هذه النّشرة هي الأساس الذي تعتمد عليه كلّ الدّراسات التي تتناول تاريخ عواصم مصر الإسلامية وخططها ومعالمها الأثرية في غياب أيّة نشرة أخرى محقّقة للكتاب.
وقد اعتمدت على طبعة بولاق طبعات أخرى للكتاب أضافت أوهاما وسقطا كثيرا وأخطاء طباعية إلى طبعة بولاق، وهي بذلك لا تشجّع على مراجعتها بسبب إخراجها السّيّ ء يضاف إلى ذلك نقص الترتيب لدى المقريزي نفسه في تنظيم كتابه. فللبحث عن معلومات عن أثر معيّن فإنّنا نضطر إلى مراجعة كلّ الكتاب حيث يتناول المقريزي المعلم الواحد في أماكن عديدة مختلفة وأحيانا بطريقة متعارضة أو يشوبها الغموض. فبسبب ضخامة الكتاب وطول الفترة التي يعالجها وتنوّع المصادر التي اعتمد عليها مؤلّفه نلمس دوما غياث التناسق والتسلسل المنطقي بين فصول كتابه (٢)، الأمر الذي يجعل الاستفادة من الكتاب في غياث كشّاف تحليلي مفصّل لموضوعاته وأعلامه ومواضعه ومصطلحاته أمرا عسيرا، ورغم الحاجة الملحة لهذا الفهرس فإنّه سيظل دون فائدة كبيرة في غياب نشرة علمية مصحّحة للكتاب.
وبعد الدّراسات المتعلّقة بتاريخ مصر والقاهرة التي اعتمدت على طبعة بولاق للخطط والتي قام بها في أواخر القرن الماضي كلّ من بول رافيس Paul Ravaisse وبول كازانوفا Paul Casanova وماكس فان برشم Max van Berchem وجورج سالمون Georges Salmon وروفن
(١) يذكر المصحح في هامش ص ١٩ من الجزء الأول ما يدل على أنه اطّلع على عدد من النسخ يقول: «من هنا إلى قوله وقال أبو القاسم ساقطة من كثير من النسخ فلعلها من زيادة من اطلع على الكتاب» وفي هامش ص ٣٠٩ من الجزء الأول كتب: «قوله أخاه الفضل بن علي هكذا في النسخ التي بيدي … ». (٢) يقول ابن أبي السرور البكري الذي اختصر خطط المقريزي: «فرأيته أسهب فيه غاية الإسهاب وأطنب فيه غاية الإطناب ولم يرتبه ترتيبا يسهل منه الكشف لما يريد الطالب». (قطف الأزهار (مخ. دار الكتب رقم ٤٥٧ جغرافيا) ورقة ١ ظ).