وكان عندهم علم بحدوث الطّوفان من أيّام سوريد وبنائه الأهرام لأجل ذلك، واتّخذ الناس سراديب تحت الأرض مصفّحة بالزّجاج قد حبست الرّياح فيها بتدبير، وعمل منها فرعان لنفسه ولأهله عدّة (١). فما كذّب أن جمع أهله وولده وتلاميذه، ولحق بنوح ﵇ وآمن به، وأقام معه حتى ركب في السّفينة.
وجاء الطّوفان في أيّام فرعان فأغرق أرض مصر كلّها، وخرّب عمائرها، وأزال تلك المعالم كلّها، وأقام الماء عليها ستة أشهر، ووصل إلى أنصاف الهرمين العظيمين. وسيأتي خبر ذلك إن شاء اللّه تعالى عند ذكر محن مصر من هذا الكتاب.
ويقال إنّ فرعان كان عاتيا متجرّءا (a) يغصب الأموال والنّساء، وإنّه كتب إلى الدّرمستيل بن محويل ببابل يشير عليه بقتل نوح ﵇ وأنّه استخفّ بالكهنة والهياكل. ففسدت في أيّامه أرض مصر، ونقص الزّرع، وأجدبت النّواحي، لانهماكه في ضلاله وظلمه، وإقباله على لهوه ولعبه. وأنّ الناس اقتدوا به ففشا ظلم بعضهم لبعض. وأنّه لمّا أقبل الطّوفان وسحّت الأمطار، قام سكران يريد الهرب إلى الهرم، فتخلخلت الأرض به، وطلب الأبواب فخانته رجلاه، وسقط يخور حتى هلك، وهلك من دخل الأسراب بالغمّ (٢)، واللّه تعالى أعلم.
(a) بولاق: متجبّرا. (١) النويري: نهاية الأرب ٣٩: ١٥ - ٤٠، وفيه أنّه أوّل فرعون تسمى بهذا الاسم ومن سمّي بعده سمّي تشبّها به (نفسه ٣٨: ١٥)؛ وقارن المسعودي: مروج الذهب ٩٥: ٢ وفيه: «سألت جماعة من أقباط مصر بالصعيد وغيره من بلاد مصر من أهل الخبرة عن تفسير فرعون، فلم يخبروني عن معنى ذلك ولا تحصّل في لغتهم؛ فيمكن - واللّه أعلم - أن هذا الاسم كان سمة لملوك تلك الأمصار وأن تلك اللغة تغيّرت كتغيّر الفهلوية - وهي الفارسية الأولى - إلى الفارسية الثانية … »؛ وانظر أيضا فيما يلي ٣٨٢. واستخدم لقب «فرعون» في المصادر العربية للتدليل على ملوك مصر القدماء في مقابل لقب «كسرى» لملوك فارس و «قيصر» لملوك بيزنطة، وعرف العرب هذا اللقب من الاستخدام القرآني له في قصة موسى (راجع، Vajda، G.،. (El ٢? art.Fircawn II، pp. ٩٣٨ - ٣٩ أما أصل كلمة فرعون كما دلّ عليها كشف اللغة المصرية القديمة (الهيروغليفية) فهو «برعا» per-c? a? بمعنى «البيت الكبير» والذي كان يعني في الأصل القصر كمؤسسة، ثم أصبح يطلق على شخص الملك اعتبارا من الدولة الحديثة Vernus، P.، & Yoyotte، J.، Dictionnaire de). (Pharaons، Editions Noesis ١٩٩٦، pp. ١١٦ - ٢٠ (٢) النويري: نهاية الأرب ٣٩: ١٥.