للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إقطاع الأمير بجاس بعد موت الملك الظّاهر برقوق، استقرّ جمال الدّين أستادّاره كما كان أستادّار بجاس، فخدمه خدمة بالغة، وخرج الأمير شيخ إلى بلاد الشّام واستقرّ في نيابة طرابلس ثم في نيابة الشّام، وخدمة جمال الدّين له ولحاشيته ومن يلوذ به مستمرّة.

وأرسل مرّة الأمير شيخ من دمشق بصدر الدّين بن الأدمي المذكور في الرّسالة إلى الملك الناصر، وجمال الدّين حينئذ عزيز مصر، فأنزله وأكرمه وأنعم عليه وولاّه قضاء الحنفيّة وكتابة السّرّ بدمشق، وأعاده إليه. وما زال معتنيا بأمور الأمير شيخ، حتى اتّهم بأنّه (a) قد مالأه على السّلطان، فقبض عليه الملك الناصر بسبب ذلك ونكبه.

فلمّا قتل الناصر، واستولى الأمير شيخ على الأمور بديار مصر، ولّى قضاء القضاة (b) الحنفيّة بديار مصر لصدر الدّين عليّ بن الأدمي المذكور، وولّي أستادّاره بدر الدّين حسن بن محبّ الدّين الطرابلسي أستادّار السّلطان. فخدم شرف الدّين أبو بكر بن العجمي - زوج ابنة أخي جمال الدّين - عنده موقّعا وتمكّن منه، فأغراه بفتح الدّين فتح اللّه كاتب السّرّ، حتى أثخن جراحه عند الملك المؤيّد شيخ، ونكبه بعد ما تسلطن. واستعان أيضا بقاضي القضاة صدر الدّين ابن الأدمي، فإنّه كان عشيره وصديقه من أيّام جمال الدّين، ثم استمال ناصر الدّين محمد ابن البارزي، موقّع الأمير الكبير شيخ.

فقام الثلاثة مع شمس الدّين، أخي جمال الدّين، حتى أعيد إلى مشيخة خانكاه بيبرس وغيرها من الوظائف التي أخذت منه عند ما قبض عليه الملك الناصر وعاقبه، وتحدّثوا مع الأمير الكبير في ردّ أوقاف جمال الدّين إلى أخيه وأولاده، فإنّ الناصر غصبها منهم، وأخذ أموالهم وديارهم بظلمه إلى أن فقدوا القوت، ونحو هذا من القول حتى حرّكوا منه حقدا كامنا على الناصر، ونبّهوا منه عصبيّته (c) لجمال الدّين؛ هذا وغرض القوم في الباطن تأخير فتح اللّه (d) والإيقاع به، فإنّه ثقل عليهم وجوده معهم. فأمر عند ذلك الأمير الكبير بعقد مجلس حضره قضاة القضاة والأمراء وأهل الدّولة، عنده بالحرّاقة من باب السّلسلة (١)، في يوم السبت تاسع عشرين شهر رجب سنة خمس عشرة، وتقدّم أخو جمال الدّين ليدّعي على فتح الدّين فتح اللّه


(a) بولاق: حتى إنّه اتهم بأنّه.
(b) ساقطة من بولاق.
(c) بولاق: وعملوا منه عصبية.
(d) بولاق: فتح الدين.
(١) انظر فيما تقدم ٧٨٦: ٣ هـ ١.