وباعوا بناء المدرسة للسّلطان، ثم استردّ السّلطان منهم المبلغ المذكور، وأشهد عليه أنّه وقف أرض هذه المدرسة بعد ما استبدل بها، وحكم حاكم حنفيّ بصحّة الاستبدال.
ثم وقف البناء الذي اشتراه وحكم بصحّته أيضا، ثم استدعى بكتاب وقف جمال الدّين ولخّصه ثم مزّقه، وجدّد كتاب وقف يتضمّن جميع ما قرّره جمال الدّين في كتاب وقفه من أرباب الوظائف، وما لهم من الخبز في كلّ يوم ومن المعلوم في كلّ شهر، وأبطل ما كان لأولاد جمال الدّين من فائض الوقف.
وأفرد لهذه المدرسة ممّا كان جمال الدّين جعله وقفا عليها عدّة مواضع تقوم بكفاية مصروفها، وزاد في أوقافها أرضا بالجيزيّة، وجعل ما بقي من أوقاف جمال الدّين على هذه المدرسة: بعضه وقفا على أولاده، وبعضه وقفا على التّربة التي أنشأها على قبر (a) أبيه الملك الظّاهر برقوق خارج باب النصر. وحكم قضاة القضاة الأربع (b) بصحّة هذا الكتاب، بعد ما حكموا بصحّة كتاب وقف جمال الدّين، ثم حكموا ببطلانه.
فلمّا تمّ ذلك محي من هذه المدرسة اسم جمال الدّين ورنكة (١)، وكتب اسم السّلطان الملك الناصر فرج بدائر صحنها من أعلاه، وعلى قناديلها وبسطها وسقوفها. ثم نظر السّلطان في كتبها العلمية الموقوفة بها، فأقرّ بها (c) منها جملة كتب بظاهر كلّ سفر منها فصل يتضمّن وقف السّلطان له، وحمل كثير من كتبها إلى قلعة الجبل، وصارت هذه المدرسة تعرف ب «الناصريّة» بعد ما كان يقال لها «الجماليّة»(٢).
ولم تزل على ذلك حتى قتل الناصر وقدم الأمير شيخ إلى القاهرة، واستولى على أمور الدّولة، فتوصّل شمس الدّين محمد، أخو جمال الدّين، وزوج ابنته شرف الدّين أبي بكر بن العجمي، موقّع الأستادّار بالأمير شيخ، حتى أحضر قضاة القضاة، وحكم الصّدر على ابن الأدمي قاضي القضاة الحنفيّة بردّ/ أوقاف جمال الدّين إلى ورثته، من غير استيفاء الشّروط في الحكم، بل تهوّر فيه وجازف. ولذلك أسباب منها: عناية الأمير شيخ بجمال الدّين الأستادّار، فإنّه لما انتقل إليه
(a) بولاق: في قبّة. (b) بولاق: وحكم القضاة الأربعة. (c) ساقطة من بولاق. (١) انظر عن الرّنك، فيما تقدم ٤٨٨: ٣ - ٤٩٠ هـ ٢. (٢) المقريزي: السلوك ١٧٥: ٤ - ١٧٦؛ ابن إياس: بدائع الزهور ٨٢٧: ٢/ ١ - ٨٢٨.