«أشأم ملوك الإسلام فإنّه خرّب بسوء تدبيره جميع أراضي مصر وبلاد الشّام»(١) فقد «طرق ديار مصر الغلاء من سنة ستّ وثمان مائة» حيث عمل أمراؤه على رفع الأسعار وزيادة أجرة أطيان الأراضي وكثرت المظالم الحادثة من الدولة بمصادرة الجمهور وتتبّع أرباب الأموال واحتجاز ما بأيديهم من المال بالقهر والقوة والغلبة (٢).
ويضيف المقريزي أنّه نتيجة لهذا الفساد السّياسي والإداري «خربت الإسكندرية وبلاد البحيرة، وأكثر الشّرقيّة، ومعظم الغربيّة، والجيزية، وتدمّرت بلاد الفيّوم، وعمّ الخراب بلاد الصّعيد … وتلاشت مدنه كلّها، وخرب من القاهرة وظواهرها زيادة على نصف أملاكها، ومات من أهل إقليم مصر بالجوع والوباء نحو ثلثيّ الناس، وقتل من الفتن بمصر مدّة أيّامه خلائق لا تدخل تحت حصر»(٣).
ومن خلال وصف المقريزي لمدينة القاهرة ومراكز نشاطها الاقتصادي نستطيع أن نلحظ المؤشّرات الأكثر وضوحا على تدهور وضع القاهرة في وقته يقول:«وقد اختلّ حال القصبة وخرب وتعطّل أكثر ما تشتمل عليه من الحوانيت بعد ما كانت مع سعتها تضيق بالباعة فيجلسون على الأرض في طول القصبة بأطباق الخبز وأصناف المعايش ويقال لهم أصحاب المقاعد … وقد ذهب واللّه ما هناك ولم يبق إلاّ القليل، وفي القصبة عدّة أسواق منها ما خرب ومنها ما هو باق»(٤).
ويشير المقريزي إلى تخرّب سوق المرحّلين بعد حوادث سنة ٨٠٦ هـ، وكثرة سفر السّلطان فرج بن برقوق إلى محاربة الأمير شيخ والأمير نوروز بالبلاد الشّامية، واستدعاء الوزراء ما تحتاج إليه الجمال من الرّحال والأقتاب دون أن يدفعوا ثمنها أو يدفعوا فيها الشيء اليسير ممّا أدّى إلى اختلال حال المرحّلين وتخرّب معظم حوانيت هذا السّوق (٥). وكذلك إلى تلاشي أمر سوق الرّوّاسين واختلاله (٦)، وإلى خراب أكثر حوانيت سوق حارة برجوان بعد أحداث سنة ٨٠٦ هـ وزوال كلّ أثر لها وأنّه صار «أوحش من وتد في قاع بعد أن كان الإنسان لا يستطيع أن يمرّ فيه من ازدحام النّاس ليلا ونهارا إلاّ بمشقّة»(٧). ويكرّر المقريزي الحديث عن خراب وتلاشي العديد من