وأصبح يطغو (a) الموج فيه ويرتمي … ويطفو حنانا وهو يلعب بالنّرد
غدا ماؤه كالرّيق ممّن أحبّه … فمدّت عليه حلية من حلى الخدّ
وقد كان مثل الزّهر من قبل مدّه … فأصبح لمّا زاده المدّ كالورد
قلت هذا لأنّي لم أذق في المياه أحلى من مائه، وأنّه يكون قبل المدّ الذي يزيد به ويفيض على أقطاره أبيض، فإذا كان عباب النّيل صار أحمر.
وأنشدني علم الدّين فخر التّرك أيدمر (١)، عتيق وزير الجزيرة، في مدح الفسطاط وأهلها (٢):
[الرمل]
حبّذا الفسطاط من والدة … جنّبت أولادها درّ الجفا
يرد النّيل إليها كدرا … فإذا مازج أهليها صفا
لطفوا فالمزن لا يألفهم … خجلا لمّا رآهم ألطفا
ولم أر في أهل البلاد ألطف من أهل الفسطاط حتى أنّهم ألطف من أهل القاهرة وبينهما نحو ميلين. وجملة الحال أنّ أهل الفسطاط في نهاية من اللّطافة واللّين في الكلام، وتحت ذلك من الملق وقلّة المبالاة برعاية قدم الصّحبة وكثرة الممازجة والألفة ما يطول ذكره (٣).
وأمّا ما يرد على الفسطاط من متاجر البحر الإسكندراني والبحر الحجازي فإنّه فوق ما يوصف، وبها مجمع ذلك لا بالقاهرة، ومنها تجهّز إلى القاهرة وسائر البلاد.
(a) بولاق: يطغى. القديمة التي تتميّز بخفتها وسرعة جريانها، كان هذا النوع من المراكب وقفا على أنهر العراق فقط، ولكن نصّ ابن سعيد هو النصّ الوحيد الذي يفيدنا بأن هذا النوع من المراكب كان مستخدما في نهر النيل في مصر. (درويش النخيلي: السفن الإسلامية ٩٢ - ٩٣). (١) علم الدين فخر التّرك أيدمر المحيّوي عتيق محيي الدين أبي المظفّر محمد بن محمد بن سعيد بن ندى الجزري، وهذا الأخير هو الذي صنّف له ابن سعيد المغربي كتابيه «المغرب في حلى المغرب» و «المشرق في حلى المشرق» (الصفدي: الوافي بالوفيات ١٧٢: ١ - ١٧٥). وكان أيدمر المحيوي من شعراء العصر الأيوبي المبرزين من معاصري بهاء الدين زهير وجمال الدين بن مطروح، وتوفي سنة ٦٧٤ هـ/ ١٢٧٥ م. (الصفدي: الوافي بالوفيات ٧: ١٠ - ١٥؛ أبو المحاسن: المنهل الصافي ١٧٢: ٣ - ١٧٦)، ونشرت دار الكتب المصرية «مختار ديوان علم الدين أيدمر المحيوي»، وصدر عام ١٩٣١. (٢) وردت الأبيات كذلك عند ابن دقماق: الانتصار ١٠٩: ٤، وهي غير موجودة في الدّيوان. (٣) ابن سعيد: المغرب ٥ - ٩؛ المقري: نفح الطيب ٣٣٩: ٢ - ٣٤٢.