للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكر أنّ بقعة الجامع الجديد كانت قبل عمارته شونا للأتبان السّلطانية، وكذلك ما يجاورها. فلمّا عمّر السّلطان الملك النّاصر محمد بن قلاوون الجامع الجديد، كثرت العمائر من حدّ موردة الحلفاء على شاطئ النّيل حتى اتّصلت بدير الطّين، وعمّر أيضا ما وراء الجامع من حدّ باب مصر - الذي كان بحرا كما تقدّم - إلى حدّ قنطرة السّدّ (١).

وأدركنا ذلك كلّه على غاية العمارة، وقد اختلّ منذ الحوادث بعد سنة ستّ وثمان مائة، فخرب خطّ بين الزّقاقين المطلّ من غربيه على الخليج ومن شرقيه على بستان الجرف، ولم يبق به إلاّ قليل من الدّور. وموضعه - كما تقدّم - كان في قديم الزّمان غامرا بماء النّيل، ثم ربّى جرفا وهو بين الزّقاقين المذكور، فعمر عمارة كبيرة، ثم خرب الآن، وخرب أيضا خطّ موردة الحلفاء، وكان في القديم غامرا بالماء.

فلمّا ربّى النّيل الجرف المذكور، وتربّت الجزيرة قدّام السّاحل القديم - الذي هو الآن الكبارة إلى المعاريج - وأنشأ الملك النّاصر محمد بن قلاوون الجامع الجديد، عمرت موردة الحلفاء هذه، واتّصلت من بحريها بمنشأة المهراني، ومن قبليها بالأملاك التي تمتد من تجاه الجامع الجديد إلى دير الطّين، وصارت موردة (a) عظيمة تقف عندها المراكب بالغلال وغيرها، ويملؤ منها النّاس الرّوايا.

وكان البحر لا يبرح طول السّنة هناك، ثم صار ينشف في فصل الرّبيع والصّيف، واستمرّ على ذلك إلى يومنا هذا، وخرب ما خلف الجامع الجديد أيضا من الأماكن التي كانت بحرا تجاه السّاحل القديم، ثم لمّا انحسر الماء صارت مراغة للدّواب، فعرفت اليوم ب «المراغة»؛ وهي من آخر قنطرة السّدّ إلى قريب من الكبارة، ويحصرها من غربيها بستان الجرف - المقدّم ذكره - وعدّة دور كانت بستانا وشونا إلى باب مصر، ومن شرقيها بستان ابن كيسان الذي صار صناعة، وعرف الآن ببستان الطّواشي، ولم يبق الآن بخطّ المراغة إلاّ مساكن يسيرة حقيرة (٢).


(a) بولاق: موردة الحلفاء.
(١) انظر فيما يلي ٣٠٤: ٢.
(٢) عن الحدّ الذي كان ينتهي عنده النيل على شاطئه الشرقي وطرح البحر وانحسار مجرى النيل راجع، Haswell، C.J.R.، «Cairo Origin and Developm- ent.Some Notes on the Influence of the River Nile and its Change»، BSRGE XI (١٩٢٣)، pp.
١٧١ - ٧٦؛ محمد رمزي: «شاطئا النيل تجاه مصر القديمة وما طرأ عليهما من التحوّلات من الفتح العربي لمصر إلى اليوم»، مجلة العلوم ٤/ ٣ (١٩٤٢)، ٤٩٧ - ٥٢٣؛ وتعليقه على النجوم الزاهرة لأبي المحاسن ٣٨٧: ٧ - ٣٨٨، ٢٨٤: ٨ - ٢٨٥.