كان في سنة ثمان وعشرين وستّ مائة، خاف السّلطان الملك الكامل/ محمد بن العادل أبي بكر بن أيّوب من تباعد البحر عن العمران بمصر، فاهتمّ بحفر البحر من دار الوكالة بمصر إلى صناعة التّمر الفاضلية، وعمل فيه بنفسه، فوافقه على العمل في ذلك الجمّ الغفير، واستوى في المساعدة السّوقة والأمير، وقسّط مكان الحفر على الدّور التي (a) بالقاهرة ومصر والرّوضة بالقياس (b). فاستمرّ العمل فيه من مستهلّ شعبان إلى سلخ شوّال مدّة ثلاثة أشهر، حتى صار الماء يحيط بالمقياس وجزيرة الرّوضة دائما بعد ما كان عند الزّيادة يصير جدولا رقيقا في ذيل الرّوضة، فإذا اتّصل ببحر بولاق في شهر أبيب كان ذلك من الأيام المشهودة بمصر.
فلمّا كانت أيّام الملك الصّالح، وعمّر قلعة الرّوضة، أراد أن يكون الماء طول السنة كثيرا فيما دار بالرّوضة، فأخذ في الاهتمام بذلك، وغرّق عدّة مراكب مملوءة بالحجارة في برّ الجيزة - تجاه باب القنطرة خارج مدينة مصر ومن قبلي جزيرة الرّوضة - فانعكس الماء، وعمل البحر من حينئذ قليلا قليلا، وتكاثف أوّلا فأوّلا وقطع كثيرا من برّ مصر (c) من دار الملك إلى قريب المقس، وقطع المنشأة الفاضلية.
قال ابن المتوّج عن موضع الجامع الجديد: وكان في الدّولة الصّالحية - يعني الملك الصّالح نجم الدين أيّوب - رملة تمرّغ النّاس فيها الدّوابّ في زمن احتراق النّيل وجفاف البحر الذي هو أمامها؛ فلمّا عمّر السّلطان الملك الصّالح قلعة الجزيرة؛ وصار في كلّ سنة يحفر هذا البحر بجنده ونفسه ويطرح بعض رمله في هذه البقعة، شرع خواصّ السّلطان في العمارة على شاطئ هذا البحر (١). فذكر من عمّر على هذا البحر من قبالة موضع الجامع الجديد الآن إلى المدرسة المعزّيّة، وذكر ما وراء هذه الدّور من بستان العالمة المطلّ عليه الجامع الجديد وغيره، ثم قال: وإنّما عرف بالعالمة لأنّه كان قد حلّه السّلطان الملك الصّالح لهذه العالمة، فعمّرت بجانبه منظرة لها، وكان الماء يدخل من النّيل لباب المنظرة المذكورة، فلمّا توفّيت بقي البستان مدّة في يد ورثتها ثم أخذ منهم (٢).
(a) ساقطة من بولاق. (b) بولاق: والمقياس. (c) العبارة في بولاق: وجعل البحر حينئذ يمر قليلا قليلا، وتكاثر أولا فأولا في بر مصر. (١) ابن دقماق: الانتصار ٧٧: ٤. (٢) نفسه ٣٠: ٤ - ٣١.