للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبين القاهرة والفسطاط بطائح تمتلئ من رشح الأرض في أيام فيض النّيل، ويصبّ فيها بعض خرّارات القاهرة، ومياه البطائح هذه رديئة وسخة أرضها، وما يصبّ فيها من العفونة يقتضي أن يكون البخار المرتفع منها على القاهرة والفسطاط زائدا في رداءة الهواء بهما. ويطرح في جنوب القاهرة قذر كثير نحو حارة الباطليّة، وكذلك يطرح في وسط حارة/ العبيد (a).

إلاّ أنّه إذا تأمّلنا حال القاهرة كانت - بالإضافة إلى الفسطاط - أعدل وأجود هواء وأصلح حالا، لأنّ أكثر عفوناتهم ترمى خارج المدينة، والبخار ينحلّ منها أكثر. وكثير أيضا من أهل القاهرة يشرب من ماء النّيل وخاصّة في أيّام دخوله الخليج، وهذا الماء يستقى بعد مروره بالفسطاط واختلاطه بعفوناتها (١).

قال: وقد اقتصر أمر الفسطاط والجيزة والجزيرة: فظاهر أنّ أصحّ أجزاء المدينة الكبرى القرافة، ثم القاهرة والشّرف وعمل فوق مع الحمراء والجيزة، وشمال القاهرة أصحّ من جميع هذه لبعده عن بخار الفسطاط وقربه من الشمال، وأردأ (b) موضع في المدينة الكبرى هو ما كان من الفسطاط حول الجامع العتيق إلى مايلي النّيل والسّواحل. وإلى جانب القاهرة من الشّمال الخندق، وهو في غور، فهو (c) يتغيّر أبدا لهذا السّبب. فأمّا المقس فمجاورته للنّيل تجعله أرطب (٢).

وقال ابن سعيد في كتاب «المغرب في حلى المغرب» (d) ومن خطّه نقلت ما نصّه من كتاب الكمائم للبيهقي (d): وأمّا مدينة القاهرة فهي الحالية الباهرة التي تفنّن فيها الفاطميون وأبدعوا في بنائها، واتّخذوها وطنا لخلافتهم ومركزا لأرجائها، فنسي الفسطاط، وزهد فيه بعد الاغتباط (٣).

قال: وسمّيت القاهرة لأنّها تقهر من شذّ عنها ورام مخالفة أمرها (e)، وقدّروا أنّ منها يملكون الأرض ويستولون على قهر الأمم، وكانوا يظهرون ذلك ويتحدّثون به (٤).


(a) كذا في النسخ وعند ابن رضوان. وربما كان المقصود: رحبة العيد.
(b) بولاق: وأرقى.
(c) ابن رضوان: وهواؤه.
(d) (d-d) في بولاق والنسخ: عن البيهقي والمثبت من مسودة المواعظ.
(e) بولاق: أميرها والتصويب من المسودة.
(١) ابن رضوان: دفع مضار الأبدان بأرض مصر ١٦١ - ١٦٢.
(٢) ابن رضوان: رفع مضار الأبدان ١٦٤ - ١٦٥.
(٣) ابن سعيد: النجوم الزاهرة في حلى حضرة القاهرة ٢١، المقريزي: مسودة المواعظ ١٩.
(٤) نفسه ٢٢؛ نفسه ٢٠.