الأعمال، ومنع المتقبّلين من الفسخ على المزارعين، وحظر (a) الارتفاق على العمّال. وكان قبل إسقاط المرافق بمصر قد شاور عبد اللّه بن دشّومة (١) في ذلك - وهو يومئذ أمين على أبي أيّوب متولّي الخراج - فقال: إن أمّنني الأمير تكلّمت بما عندي. فقال له: قد أمّنك اللّه ﷿.
فقال: أيّها الأمير إنّ الدّنيا والآخرة ضرّتان، والحازم من لم يخلط إحداهما مع الأخرى، والمفرّط من خلط بينهما فتتلف أعماله ويبطل سعيه. وأفعال الأمير - أيّده اللّه - الخير، وتوكّله توكّل الزّهّاد، وليس مثله/ من ركب خطّة لم يحكمها. ولو كنّا نثق بالنّصر دائما طول العمر لما كان شيء عندنا آثر من التّضييق على أنفسنا في العاجل بعمارة الآجل، ولكن الإنسان قصير العمر كثير المصائب، مدفوع إلى الآفات. وترك الإنسان ما قد أمكنه وصار في يده تضييع، ولعلّ الذي حماه نفسه يكون سعادة لمن يأتي من بعده، فيعود ذلك توسعة لغيره بما حرمه هو. ويجتمع للأمير - أيّده اللّه - بما قد عزم على إسقاطه من المرافق في السّنة بمصر دون غيرها مائة ألف دينار، وإن فسخ ضياع الأمراء والمتقبّلين في هذه السّنة، لأنّها سنة ظمأ توجب الفسخ، زاد مال البلد، وتوفّر توفّرا عظيما ينضاف إلى مال المرافق، فيضبط به الأمير - أيّده اللّه - أمر دنياه. وهذه طريقة أمور الدّنيا وإحكام أمور الرّئاسة والسّياسة، وكلّ ما عدل الأمير - أيّده اللّه - إليه من أمر غير هذا فهو مفسد لدنياه. وهذا رأيي، والأمير - أيّده اللّه - على ما عساه يراه.
فقال له: ننظر في هذا إن شاء اللّه. وشغل قلبه كلامه، فبات تلك الليلة بعد أن مضى أكثر اللّيل يفكّر في كلام ابن دشّومة، فرأى في منامه رجلا من إخوانه الزّهّاد بطرسوس وهو يقول له:
بئس (b) ما أشار به عليك من استشرته في أمر الارتفاق والفسخ برأي تحمد عاقبته فلا تقبله، ومن ترك شيئا للّه ﷿ عوّضه اللّه عنه، فأمض ما كنت عزمت عليه (٢).
فلمّا أصبح أنفذ الكتب إلى سائر الأعمال بذلك، وتقدّم به في سائر الدّواوين بإمضائه، ودعا بابن دشّومة فعرّفه بذلك. فقال له: قد أشار عليك رجلان، الواحد في اليقظة والآخر ميّت في
(a) بولاق: وخطر. (b) بولاق: ليس. (١) لم تذكر المصادر من اسم عبد اللّه بن دشّومة سوى هذا القدر (المقريزي: المقفى الكبير ٣٩٨: ٤ - ٤٠٠). (٢) البلوي: سيرة أحمد بن طولون ٧٣ - ٧٤؛ ابن عبد الظاهر: الروضة البهية ٧٧ - ٧٨؛ المقريزي: المقفى الكبير ٣٩٨: ٤ - ٣٩٩؛ أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ٩: ٣ - ١٠ (عن خطط ابن عبد الظاهر)، وقارن مع ابن سعيد: المغرب في حلى المغرب (قسم مصر) ٨٥ - ٨٦.